بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تخطر على بال أحدهم فكرة الاستثمار في مجال صناعي معين. مصنع زبادي، مصنع للآيس كريم، مصنع للشوكولاتة... أياً كان المشروع ومهما كان حجم الاستثمار فإننا نجد تبايناً في طريقة تفكيرالناس حول كيفية تطبيق المشروع الواحد.
فإذا أراد أحدهم أن ينشئ مثلاً مصنعاً للأجبان، فإنه قد يجد من يقول له : لابد من أن تنشئ بجانبه مزرعة صغيرة للأبقار... بحيث تستطيع بذلك تأمين موارد الحليب بشكل مستمر وتضمن جودته. وقد تجد البعض الآخر يجيبه على هذا : لا لا أبداً !! تخصص في الصناعة وتعاقد مع مزارع لتربية الأبقار.
وقد يأتي البعض الآخر فيشير عليه : كل هذا لا يهم، المهم أن تكون مراكز التوزيع تابعة لك لكي تتحكم بالسعر، وتستحوذ على القيمة المضافة لصالحك.
فما سر اختلاف هذه الأراء ؟ هل فيها ما هو صواب وما هو خطأ ؟
التوسع الأفقي والتوسع الشاقولي في الاستثمار
الحقيقة للإجابة عن السؤال السابق لابد من الإشارة إلى مصطلح مستخدم في مجال التخطيط الاستراتيجي للاستثمار يدعى بال "Integration" . الترجمة الحرفية لهذا المصطلح هي "الضم"، لكنني سأستخدم مكانها عبارة "التوسع" لأنني أراها أكثر سلاسة في الاستخدام اللغوي.
هناك في عالم الأعمال نوعان من التوسع: أفقي وشاقولي
اصطلاحاً، يعتبر التوسع شاقولياً عندما تقوم بالاستثمار في مجال يسبق أو يلي مجال مهنتك الأساسية، في مثالنا السابق: صاحب مصنع الأجبان يقوم بالاستثمار في مزرعة لتربية الأبقار أو في مراكز توزيع المنتج النهائي للمستهلك.
قد يكون الاستثمار بمقدار حلقة واحد من سلسلة القيمة المضافة، وقد يتعدى إلى عدة حلقات. مثال:
صاحب متجر أو سلسلة من متاجر المواد الغذائية يستثمر في مصنع للأجبان، من ثم يستثمر في تربية الأبقار. وبعد فترة يستثمر مجال تصنيع الأعلاف، وقد يستمر إلى الاستثمار في مجال زراعة المواد المكونة للأعلاف نفسها.
أما بالنسبة للتوسع الأفقي: فهو أن تستثمر في نفس مجال المهنة التي أنت عليها، لكي تلبي الطلب المتزايد لدى المستهلكين على هذا المنتج أو لتستحوذ على المزيد من حصة السوق من منافسيك. فإذا كان عندك خط إنتاج واحد فإنك تستثمر في خط آخر. وإذا كنت صاحب مصنع، فإنك تبني آخراً أو تشتري مصنع منافسك.
فإذا عرفنا هذا الأمر، فهل هناك استراتيجية "أفضل" من الأخرى في هذا الموضوع ؟
عند التمعن في الموضوع نجد أن لكل استراتيجية ايجابيات وتحديات محتملة. وبحسب الحالة التي أنت فيها فقد يكون اختيارك لإحدى الاستراتيجيتين أفضل من الأخرى. ولكن لكي تقوم بهذه المفاضلة لابد لك من أن تتعرف على هذه الايجابيات والتحديات من ثم تسقطها على واقعك لتقوم بالاختيار بناءً على ذلك.
التوسع الشاقولي، أهم إيجابياته ونقاط قوته
* يُمَكنك من تأمين موارد المواد الأولية بشكل ثابت ومستمر، أو تأمين مصادر بيع للمنتج، بحيث تكون حلقة التوريد لديك متوازنة، وتتجنب الوقوع في مشكلة انقطاع الموارد الأولية، عدم وجود مصدر لبيع إنتاجك.
* ضمان جودة المواد الأولية، فلا تقع في موضوع غش الموردين، وتضمن ثباتاً نسبياً في مستوى الجودة.
* تستحوذ على القيمة المضافة لموردك. في مثال "مصنع الأجبان" مع التبسيط. إذا كنت تشتري لتر الحليب ب 12 "و" (وحدة نقدية) من ثم تبيع منتجك النهائي ب 20 "و" وكان تكلفة انتاجك بالنسبة لقطعة الجبن الواحدة (رواتب وطاقة وما إلى ذلك) 6 "و" وإذا فرضنا أن كمية إنتاجك ثابتة فإن ربحك من قطعة الجبن الواحدة هو 2 "و". فإذا فرضنا أن لتر الحليب لا يكلف صاحبه لانتاجه سوى 10 "و". فإنك إن استثمرت في تربية الأبقار بنفس تكلفة الإنتاج فسترفع من ربحك الإجمالي للقطعة الواحدة إلى 4 "و". وبالتالي فإنك تصبح أكثر مرونة في تحديد سعر منتجك النهائي في مقابل منافسيك. فبإمكانك أن تتخلى مثلاً عن 1 "و" في سبيل الاستحواذ على حصة أكبر من السوق. والعمل على الإنتاج بكميات كبيرة.
* يُمَكنك من خفض كلف التخزين والنقل من خلال التنسيق بين المصنع وباقي وحدات الشركة.
أهم تحديات التوسع الشاقولي
* العقبة الأساسية هي أنك بالتوسع الشاقولي تقوم بالدخول إلى مهنة أخرى غير مهنتك. حتى لو كنت مستثمراً ولست متخصصاً. فإن ذلك يعني أنك بحاجة إلى نوع آخر من العمالة والخبرات والمعرفة المهنية على مستوى منافس. وهذا ليس من السهولة بمكان. فتربية الأبقار هي مهنة مختلفة تماماً عن إنتاج مشتقات الحليب. والتصنيع مهنة مختلفة عن تأسيس مراكز للبيع وتجارة المواد الغذائية للمستهلك مباشرة.
* حجم الاستثمار الأولي ضخم ويشكل عبئاً لمن يريد الدخول في المنافسة. وحتى بعد تجاوز العقبة الأولية هذه فإنك ستجد أن التوسع الشاقولي يقلل من مرونة الاستثمار لديك. فكلما توسعت في مصنعك لزيادة الإنتاج فإن عليك أن تستثمر في المقابل في الحلقات التي تسبق أو تلي إنتاجك.
أمثلة على التوسع الشاقولي
ما عليه الآن بعض شركات البترول الرائدة (توتال – شيل ...) والتي تقوم بعملية التنقيب – تكرير النفط – امتلاك سلسلة من محطات الوقود.
وفي الصناعات الغذائية وعلى المستوى العربي بشكل خاص، توجد شركة المراعي السعودية. حيث أنها توسعت في مجال تربية الأبقار والتصنيع في آنٍ واحد. بل حتى في مجال تصنيع بعض أنواع عبوات التغليف التي تستخدمها.
في مجال الاتصالات يمكننا أن نذكر قيام شركة آبل بإنشاء سلسلة من المتاجر خاصة بها لبيع منتجاتها، علمأ بأن آبل من ناحية التصنيع، توسعها الشاقولي ضعيف نوعاً ما فهي توكل مهمة التصنيع والتجميع إلى شركات أخرى، وتركز بشكل خاص على الابتكار والتصميم.
أما بالنسبة للتوسع الأفقي فلن أتكلم عنه كثيراً في هذا المقال، ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من التوسع متعلق بشكل أساسي بموضوع العرض والطلب وتأمين موارد للمواد الأولية، وأسواق للمنتج النهائي، ومن مخاطره أن الشركة التي تتوسع أفقياً بشكل كبير في مجال معين تكون عرضة للمخاطر المتعلقة بالمهنة في حال انخفض الطلب على المنتج بشكل مفاجئ أو انقطعت إمدادات المواد الأولية.
والحمد لله رب العالمين
مواضيع مشابهة:
اقتباس