المشكلة
كلما حاول الإنسان ترويض الطبيعة وكبح جماحها وتكبيلها والتحكم فيها حتى يظن أنه وصل إلى مرحلة السيطرة عليها فاجأته الطبيعة بالرد عليه بعنف مذكرة إياه أنه ضغيف وأنها أقوى منه ولا يمكن تكبيلها والعناد معها.

وقد أدرك تلك الحقيقة القدماء، فكانوا يبنون بيوتهم فى أماكن بعيدة عن مجرى السيول. فكانت حكمتهم تقتضى بأن يراقب الإنسان الطبيعة ويتعلم منها ويتعامل معها فى تناغم حتى تخدمه الطبيعة بدون أن يحاول الوقوف أمامها.

ولكن للأسف فمع زيادة غرور الإنسان فى العصر الحديث بات لا يكترث برغبات الطبيعة ولا يحاول التناغم والإنسجام معها بل بات يحاول تقييدها وتسييرها على هواه فتمردت عليه فى صورة سيول وزلازل وأعاصير مدمرة.

وكان أقرب مثال على ذلك هو ما حدث فى مدينة العريش المصرية فى شمال سيناء، فقد كان البدو والعرب بل وقدماء المصريون لا يبنون أبداً بيوتهم فى مجرى السيل. ولكن عندما جئنا بما نزعم أنه العلم الحديث ضربنا بعرض الحائط ما قاله لنا أهل العريش بحكمائهم من أننا يجب أن لا نبنى أية بيوت فى مجرى السيل، وقمنا بمخالفة ما قاله لنا هؤلاء الحكماء وبنينا رغماً عن نصائحهم بيوتاً جديدة خرسانية فى مجرى السيل ووضعنا أمامها جداراً ظانين أنه سوف يحميها من أى سيل إذا حدث. وقد حدث السيل منذ أيام ولكنه حدث بشكل مهيب لم يحدث منذ عشرات السنين ولم يحمى ذلك الصور تلك البيوت الخرسانية بل تهاوت كما لو أنها قطعة من الجاتوه! والرابط التالى يوضح فيديو أحد تلك البيوت ذات الأساسات الخرسانية فى العريش والتى تم بناؤها فى مجرى السيل مخالفة لما نصح بها عقلاء أهل العريش:
http://www.youtube.com/watch?v=ltZFh7N1RXI

الحل
الحل هو أن نكف عن محاولة إخضاع الطبيعة وترويضها ونحاول فهمها عن طريق مراقبتها والاستعانة بأهل المنقطة وخبرتهم الطويلة كى نتناغم مع الطبيعة ونستفيد منها بدلا من أن نحاربها.

أحد الممارسات الأساسية فى الزراعة المستدامة، بغض النظر عن وجود سيول أم لا، هو حفر خنادق متماوجة ومتعاقبة فى الأرض الزراعية وتغطيتها بطبقة كثيفة من الملش (الملش يمكن أن يكون مخلفات زراعية) فتعمل هذه الخنادق المغطاه على كسر حدة أى سيل أو أمطار واستيعابها والتقليل من سرعتها وتخزينها. وتلك المياه المخزنة فى باطن الأرض تبدأ فى التسرب رويداً رويداً إلى المناطق الأخرى من الأرض ما بين خندق وآخر فتروى وببطء الأشجار عميقة الجذور. وهكذا، نحمى أنفسنا من السيول ونشبع أراضينا بالماء والوفير ونحمى بل نزيد من خصوبة أراضينا بدلاً من إهدار كل ذلك الماء الذى يمكن أن ينزل بكميات كبيرة مرة واحدة. وهذا الفيديو يوضح بشكل سهل كيف تقوم تلك الخنادق بكسر حدة السيول وتخزين مياهها فى باطن الأرض ثم تسريبها بشكل بطئ كى تشرب منه باقى الأشجار والنباتات الموجودة فى الأرض. الفيديو على الرابط التالى:
http://www.youtube.com/watch?v=kPrfNVzDNME

كما يمكن بناء السدود أيضاً لتخزين المياه، وحمداً لله هذا ما فطن إليه من قاموا بالمساهمة فى إغاثة أهل العريش فقاموا ببناء العديد من السدود والتى قامت بتخزين كميات كبيرة من المياه لتكون بمثابة خير لنا والحمد لله فى مصر فنزرع بها بإذن الله 3 آلاف فدان إضافية بتلك المياه.

ومن هنا، نجد أن التعامل مع الطبيعة ومحاولة الاستفادة منها بالعمل معها وليس ضدها يرجع بالنفع على الإنسان. فيا ليتنا نستخدم العلم والتكنوليجيا ولكن بدون أن ننسى استشارة الحكماء والعقلاء وأهل البلد الحكماء ولا نستخف بآرائهم مرة أخر فهم أدرى بأرضهم وحكمتهم تكونت على مر مئات السنين.

مواضيع مشابهة: