مونولوج (monologue): إستيقظت. فأحسست وكأن الدنيا أطبقت على قلبي, وضاق بي صدري و صعُب عليّ التنفس. فجريت مسرعا إلى المركز الطبي المجاور فطلبو مني إجراء فحص للدم. بعد قليل ظهرت النتيجة وتبيّن أنه هناك نقص حاد في المبادىء ... إنا لله وإنا إليه راجعون. خفت. فسألت عن خطورة المرض. قال الدكتور: "أثبت. هذا المرض مُعدي ويعاني منه معظم الناس, وقد يحملوه في جيناتهم دون أن يصابوا به. والمهم هو أن العلاج متوافر والشفاء منه ممكن". قلت "كيف ذلك؟". لم يرد.
رحت عندئذن أجوب على النواب والوزراء وأحكي لهم قصتي ناشدا منهم العون, فكانو يضحكون ويقولون: "إبحث على غوغل" ... "مين غوغل؟" ... "طيب إسئل الكندرجي".
يا عمي شو خص الكندرجي ؟ .. طيب .. فتوكلت على الله .. ورحت إليه. دخلت عليه وقلت: "ممكن أجد عندك شوية مبادىء؟ أو شي نص كيلو إذا في" ... فصرخ قائلا "فل من هون يا مجنون ... الصباط ما عمل عملتك" ... "أي صباط ؟".
فتطورت المسألة معي وبدأت أفقد الأمل. فكّرت أن أنزل إلى الشارع .. هيك هيك كل ما دق الكوز بالجرة بينزلو على الشارع .. "مين ؟." .. في البداية كنت مهذبا: "يا عم الله يخليك عطيني شوية مبادىء" .. "معك مبادىء ؟ الله ينجحك" .. كان الرد: "أبوك على أبو المبادىء" أو "مجنون إنت؟" ... فكرت أن المجانين هذه الأيام يبحثون عن المبادىء مثلي. مزبوط.
يئست .. وظننت أن لا أحد يلتفت إليّ لأن المبادىء لا تُعطى مجانا, فغيّرت الخطة في اليوم التالي وصرت أقول للناس: "بيعني مبادءك" .. "الله يخليك ..". كنت أصادف أشخاص لا يردّون أو يتظاهرون أنهم لا يسمعون. ولكن منهم من كان يقول: "لا أبيع مبادئي أبدا" .. كُثُر من كانوا يجيبون بذلك. "طيب تبرعلي بشوي" ... "يا خيّ عم قول لك مش للبيع" ... "طيب شو بدك بعطيك" ... "ولك يا زلمي حل عني ما عندي مبادىء. منيح هيك؟".
حينئذن أصبت بقلق وإكتئاب وشعرت أن الدنيا "سكّرت بوجهي". قلت في نفسي "لا حل إلا في العصيان المدني". فوفقت في "نص الطريق" ورفعت "اليافطات" ورحت أشتم في الحكومة والكندرجي و عامة الناس. فإذن بعد قليل أرى مجموعة من الناس تتوجه نحوي. في اليوم التالي وعيت على نفسي نائما في مستوعب للزبالة.
معقول ؟؟
ياااااه !!!!!!!!!! .. الحمد لله .. وجدتها كلها مطروحة هناك !! ... القضية الفلسطينية, والتديّن, والحياء, وحب الوطن ... على مد العين والنظر ... وأخذت أعبّئها في أكياس وآخذها إلى المنزل, وكل يوم آخذ منها جرعة - قبل نشرة الأخبار - كما وصفها لي الحكيم. ومرت الأيام. كان لابد من فعل شيىء حيال الفائض الذي كان منشورا في مستوعبات النفايات في البلد. وكانت زياراتي إلى المستوعبات كثيرة .. ومنذ ذلك الحين والكثير من الناس يسمونني "زبالة المجتمع".
من أجل ذلك كان موقع زراعة نت.
مواضيع مشابهة: