تزايدت معدلات تلوث مياه النيل بصورة غير مسبوقة، على نحو دفع العديد منالهيئات والمؤسسات الدولية إلى التحذير من خطورة استمرار هذه المعدلات علىصحة الإنسان، وعلى الثروة السمكية، حيث كشفت الدراسات عن وجود نحو 350مصنعاً تقوم بصرف نفاياتها في نهر النيل بواقع خمسة ملايين متر مكعبسنوياً، إضافة إلى المخلفات الصلبة التي تلقى في النيل أيضاً ويبلغ حجمها 14 مليون متر مكعب سنوياً، الأخطر من ذلك هو قيام 1500 قرية من قرى الصعيدبصب مياه الصرف الصحي مباشرة ودون معالجه في مياه النهر، هذا إلى جانبالعائمات النيلية التي تلقي مخلفاتها في النهر.
كذلك فإن الأسمدةوالمبيدات المستخدمة في الزراعة تتسرب إلى مياه الصرف وتصل إلى النيل،وتنتقل منه إلى الإنسان، سواء بصورة مباشرة عبر مياه الشرب، أو من خلالالنبات والحيوان الذي يدخل في مكونات غذائه.
وقد كشفت دراسة مصريةأجريت على عينات مختلفة من مياه النيل قبل وبعد معالجتها، وجود نسبةمرتفعة من الأمونيا والمعادن الثقيلة، والأمونيا من المواد السامة بالنسبةللأسماك والكائنات المائية الأخرى حتى مع التركيزات المنخفضة، فعندما يكونتركيز الأمونيا في الماء 0.06 ملليجرام / لتر، فإنها تسبب في ضمورالأسماك، وعندما يكون تركيز الأمونيا في الماء ملليجرامين في اللتر، فإنهيتسبب في موتها، كما أن سمية الأمونيا بالنسبة للأسماك تزداد مع زيادةدرجة حرارة الماء، حيث يقل تركيز الأوكسجين المذاب في الماء بارتفاع درجةالحرارة.
أما بالنسبة لتلوث مياه الشرب بالمعادن الثقيلة، فإنه يؤديإلى إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض، فالزنك مثلاً يؤثر علي الجهازالعصبي والنخاع، والحديد يؤثر علي الرئتين والكبد، والكادميوم علي الجهازالعصبي والكلي، والنحاس علي الكبد والجهاز العصبي والكلي، والرصاص عليالقلب والدم بوجه خاص والجهاز العصبي والكبد.. وفي كل الأحوال ينتهي الأمربإصابة الشخص بالفشل الكلوي أو الكبدي أو حدوث خلل مزمن في الجهاز العصبيبجميع أعضائه ثم الوفاة.
وتبلغ كمية مياه الصرف الزراعي التي تصب فينهر النيل وفروعه نحو 13 مليار متر مكعب سنوياً، وهي تحتوي على بقاياالأسمدة كأملاح الفسفور والفوسفات والنترات والأمونيا والنتروجين وموادعضوية ثابتة كبقايا المبيدات، والتي تبقى في المياه لفترات طويلة وتتركزفي الأحياء المائية والحيوانات، مما يصيب الإنسان بأنواع مختلفة منالسرطانات والأمراض الوبائية، وقد وصل استهلاك مصر من الأسمدة إلى أكثر منأربعة ملايين طن سنوياً ونحو 30 ألف طن من المبيدات، كما يبلغ عدد مصارفالصرف الزراعي على النيل 45 مصرفاً، تصب فيه مباشرة دون معالجة.
أمامياه الصرف الصحي التي تصب في النيل فتصل إلى 1.6 مليار متر مكعب سنوياًمن أصل 2.4 مليار متر مكعب، تشكل إجمالي ناتج الصرف في مصر من المجارىالمائية، وذلك من خلال 22 مصباً على النيل و12 مصباً على الترع و 68 مصباًعلى المصارف، كما توجد 1200 منشأة صناعية تتبع القطاع الخاص، و1182 منشأةتابعة لقطاع الأعمال العام، 320 منشأة تابعة لوزارات مختلفة، تؤدي إلىتلوث المسطحات المائية، منها 700 منشأة في 17 محافظة تلقى مخلفاتهاالمائية في النيل مباشرة .
الدراسات تكشف أن 74% من المنشآت الصناعيةلا تعالج المخلفات السائلة و13% تقوم بمعالجه جزئية وأن 47% من المخلفاتتلقى في نهر النيل في منطقة القاهرة الكبرى، و23% منها تلقى في الترع،و28% تلقى في المصارف، 3.5% تلقى في بحيرات التمساح والمنزلة ومريوطوقارون، وأن 1.2 مليون طن من المخلفات تخرج من 2700 وحدة صناعية بمنطقةشبرا الخيمة بالقاهرة، وهذه المنطقة هي مصدر مياه الشرب للقاهرة الكبرى،وبسبب زيادة معدلات التلوث في المياه، فإن محطات المعالجة لا تستطيع تخليصالمياه من المواد الهيدروكربونية والكيماويات الأخرى التي تتفاعل معالكلور المستخدم في تعقيم المياه، وتؤدي لتكوين مواد هيدرو كربونية مكلورةتسبب الأمراض السرطانية.
وتعد مخلفات مصانع الصابون والزيوت والملحوالصودا والمبيدات الحشرية والحديد والصلب والأسمدة والسكر من أكثرالصناعات الملوثة للنيل، وتكفي الإشارة إلى أن مخلفات مصانع السكر تسببارتفاعاً كبيراً في الأكسجين الحيوي الذي يضيف أبعاداً خطيرة على الملوثاتالكيمائية والبيولوجية الناتجة عن المخلفات الصناعية، والتي تؤثر بدرجةكبيرة على الثروة السمكية، وتؤدي إلى موت أنواع عديدة من الأسماك، حيثتشير الأرقام إلى انخفاض عدد أنواع الأسماك في النيل من 47 نوعاً إلى 14نوعاً فقط نتيجة تلوث المياه، كما أن بعض الأسماك يظل حاملاً للموادالسامة التي تصيب الإنسان بالأمراض والتسمم عند تناولها. وهناك 12 نوعا منالديدان تصيب الأسماك النيلية بسبب التلوث، وتنتقل منها إلى الإنسانلتصيبه باضطرابات معوية وإسهال مزمن.
وتساهم الفنادق النهرية العائمةوالمراسي في زيادة معدلات تلوث النيل، حيث يبلغ عدد وحدات الأسطول التجاريالنهري نحو ثلاث آلاف وحدة، منها 200 باخرة سياحية و500 مركب لنقل الركابو1600 مركب لنقل البضائع و300 لنش للنزهة، بالإضافة إلى 400 فندق تلقيبمخلفاتها في النيل مباشرة، مما يسبب العديد من أشكال التلوث، كالمخلفاتالصلبة والصرف الصحي، حيث لا تكفى وحدات المعالجة الموجودة بهذه العائماتإلا لمعالجة 25% من حجم الصرف الصحي الناتج عنها.
كما يتلوث النيلبالزيت الناتج عن تشغيل هذه العائمات وتسرب المواد البترولية عنها، كذلكفإن هناك العديد من مصادر التلوث الأخرى مثل الأقفاص السمكية وما ينتجعنها من مخلفات علائق الأسماك، إضافة إلى ما يلقى مباشرة من مخلفاتالمنازل والحيوانات النافقة في النهر والترع والمصارف، ويصل إجمالي هذهالمخلفات إلى نحو مليون و760 ألف طن.
وقد كشف استجواب ناقشه مجلس الشعبالمصري مؤخراً، أن تلوث النيل هو السبب الرئيسي لاختفاء الثروة السمكيةبمياه النهر، وانتشار الأمراض الخطيرة المسببة للوفاة، حيث تكشف التقاريرأن معظم أمراض المصريين ناتجة من تلوث نهر النيل بالمخلفات الصناعيةوالزراعية السائلة والصلبة التي تؤدي إلى الإصابة بالبلهارسيا، وتليفالكبد، والفشل الكلوي.
وتشير هذه التقارير إلى أن 26% من المصابينبالفشل الكلوي وأن إصابتهم بهذا المرض ترجع إلى البلهارسيا، كما تبلغ نسبةالإصابة بسرطان المثانة 30%، إضافة إلى أمراض أخرى مثل التيفودوالدوسنتاريا الأميبية والإسكارس والديدان الشريطية والدودة الكبدية،وترتبط هذه الأمراض بإلقاء المخلفات الآدمية غير المعالجة وبالعاداتالسيئة، كالتبول والتبرز والاغتسال في هذه المياه

مواضيع مشابهة: