خلق الله الإنسان فأحسن خلقه وكرَّمه على سائر المخلوقات، ومن نعم الله العظيمة على خلقه أن أودع فيه غذاء لبني جنسه لم ولن يستطيع الإنسان على مر العصور مضاهاته أو حتى الاقتراب من صفاته وعناصره المدموجة بنسب فريدة حيث تمثل تلك العناصر الاحتياجات الضرورية لجسم الطفل اللازمة لنموه ولحمايته من الأمراض بعد حماية الله سبحانه وتعالى. ولا ينطبق ذلك على الحليب البشري فقط إنما يشمل كل شيء من خلق الله عزَّ وجلّ حيث لا يزال العلم إلى الآن يبحث أسراره، فالدم على سبيل المثال لا الحصر أحد السوائل الحيوية التي لم يستطع العلم الحديث من فهم مكوناته الجزيئية الدقيقة. ولا يزال العلماء في شتى أنحاء العالم يبحثون في أسرار خلق الله ولم يؤتوا من ذلك العلم إلا قليلاً. وقد ذكرت الرضاعة في القرآن الكريم في أكثر من موضع.. ومن يتتبع كتب الإعجاز العلمي في القرآن سيجد أن العلم الحديث بمختبراته وقدراته البشرية لم يتوصل وبعد عقود وقرون من الزمن إلا إلى الجزء اليسير مما ذكر في كتاب الله عزَّ وجل من حكم بالغة بدءاً من تكوين الإنسان وحتى مماته. نستعرض في هذا العدد تكون حليب الأم وفوائده للطفل والأم معاً.
اللبأ:
قبل الولادة تحدث تغيرات هرمونية معينة لتحضير الرحم لبدء التقلصات استعداداً للولادة يتبعها أيضاً وبسبب تحفيز هرموني آخر إلى تصنيع مادة لبنية تميل إلى اللون الليموني الداكن تحتوي على نسبة عالية من البروتينات ونسبة منخفضة من الدهون والكربوهيدرات تسمى اللبأ ويترافق مع ذلك تضخم طبيعي في حجم الثديين حيث تفرز هذه المادة المغذية للطفل بكميات قليلة في الأيام الأولى بعد الولادة حوالي 10إلى 40مل يومياً وتكمن أهميتها الأخرى أيضاً في احتوائها على أجسام مناعية تشكل خطاً دفاعياً كبيراً للطفل الرضيع في هذه الفترة الحرجة من حياته. وقد تلحظ بعض الأمهات في اليوم الثالث بعد الولادة تحجراً وألماً في الثدي قد يرافقه ارتفاعاً طفيفاً في درجة الحرارة والذي يزول تلقائياً بالرضاعة الطبيعية لرضيعها ويلحظ أول ارتفاع لشهية الطفل الرضيع ما بين اليوم الثامن والعاشر بعد الولادة. يجب أن لا تقلق الأم على طفلها الرضيع حيث يقل وزن الطفل في الأيام الأولى من حياته بعد الولادة ولكن يعود لكسب ذلك الوزن الذي فقده مع إكماله الأسبوع الثاني من العمر حيث يكون وزنه في ذلك الوقت مساوياً لوزنه عند الولادة. يحتوي جسم الوليد على أملاح ومعادن بما يعادل 2% من حجمه، دهون 24%، بروتينات 14%، سوائل 62%.
الوقت الكافي للرضاعة الطبيعية
الوقت اللازم للطفل الرضيع للرضعة الواحدة هو عامل متغير يعتمد على مدى إدار الأم للحليب ولكن بوجه عام 80% من الحليب في كل ثدي يستهلك من الرضيع خلال 4دقائق تقريباً ويزداد إدرار الحليب عادة خلال الأسبوعين الأولين من الرضاعة وتقدر كمية الحليب التي تدرها الأم لرضيعها بمقدار 750مل في اليوم وعادة تحافظ الأم على هذه الكمية في الأشهر الأربعة الأولى من حياة الطفل حيث تبدأ الكمية بالناقص بعد تلك الفترة وذلك لأن الوالدين في تلك الفترة يبدؤون في إعطاء الطفل بعض الأطعمة شبه الصلبة والعصيرات.
فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل
تعطي الرضاعة الطبيعية الاحتياج الكامل للنمو خاصة في الأشهر الأولى من حياة الطفل. جميع الدراسات العلمية توصي بالرضاعة الطبيعية في الأحوال العادية وتجنب الرضاعة الصناعية لما للرضاعة الطبيعية من فوائد جمة على الطفل وعلى الأم مقارنة بالرضاعة الصناعية وقبل البدء في تعداد تلك الفوائد نذكر أولاً أن الرضاعة الطبيعية هو غذاء جاهز لا يحتاج إلى تسخين أو تعقيم وليس عرضة للتلوث كما في الرضاعة الصناعية.
أولاً: وجد في دراسات علمية عديدة أن الرضاعة الطبيعية وبقاء الرضيع ملاصقاً لأمه في الساعات والأيام الأولى بعد الولادة لها دور كبير بتوثيق العلاقة بين الأم ورضيعها وتكوين شخصية الطفل مستقبلاً.
ثانياً: كل المواد الموجودة في حليب الأم هي مواد طبيعية وليست مركبات كيميائية كما في مساحيق الحليب الصناعي والتي تعتبر أجساماً غريبة تعمل على ظهور أنواع التحسس على الرضيع سواءً الجلدية منها كالطفلح الجلدي أو الأكزيما أو المعوية كالإسهال أو الإمساك.
ثاثاً: يحتوي حليب الأم على أجسام مناعية تعمل على حماية الطفل بإذن الله من الميكروبات سواءً البكتيرية منها أو الفيروسية ومثال ذلك (اميونوجلوبيولين أ).
رابعاً: يوفر حليب الأم استفادة من عنصر الحديد اللازم لتصنيع الدم أكثر مما يوفره الحليب الصناعي كما أن حليب الام يحتوي على البروتين الناقل للحديد اللاكتوفيرين والذي في نفس الوقت له قدرة للقضاء على بعض البكتيريا مثل (الاي كولاي) والتي قد تسبب العديد من الإلتهابات سواءً في السحايا (الأغشية الملاصقة للمخ) أو الجهاز البولي أو الهضمي وغيره وهو ما لا يتوفر في الرضاعة الصناعية.
خامساً: يوجد العديد من المواد الغذائية المعروفة وغير المعروفة المفيدة للنمو والتي تتوفر في الرضاعة الطبيعية ولا تتوفر في الحليب الصناعي.
سادساً: عند محاولة إضافة أي عنصر مفيد (في حالة إمكانية ذلك) للحليب الصناعي فإنه يتعذر الوصول إلى النسبة المطلوبة والمثالية لامتصاص تلك المادة والاستفادة منها كما في الحليب الطبيعي.
سابعاً: الكثير من الدراسات تؤكد تعرض الطفل للالتهابات المستقبلية كالتهابات المسالك البولية هي أكثر لدى الأطفال الذين رضعوا رضاعة صناعية مقارنة بالأطفال الذين كانت رضاعتهم طبيعية. وكذلك أيضاً يتأثر سلباص الأطفال ذوي الرضاعة الصناعية في تكوين بنيتهم ونسيج المخ لديهم مقارنة بالأطفال على الرضاعة الطبيعية حيث إن 75% من نمو المخ يكتمل عند سن الثالثة من العمر ويكتمل 90% عند سن السابعة وهذا النمو السريع للمخ يحتاج أن يتواكب ويترافق مع تغذية مثالية لا تتوفر إلا في الرضاعة الطبيعية خاصة في الشهور الأولى من العمر. حيث إن خلايا المخ وخلايا الجهاز العصبي المركزي عموماً من الخلايا التي لا تتجدد فإن نمت بصورة صحيحة كانت وظيفتها سليمة بإذن الله.
ثامناً: أثبتت العديد من الأبحاث فوائد الرضاعة للأم من حيث تنظيم الحمل، الحفاظ على المستويات الفسيولوجية للهرمونات ووقايتها بإذن الله من سرطان الثدي. ويوجد الكثير الكثير من الفوائد للرضاعة الطبيعية والتي تحتاج إلى مجلدات لعرضها.
هل هناك محاذير للرضاعة الطبيعية؟ تتساءل كثيراً من الأمهات واللاتي يستعملن بعض الأدوية لبعض من الأمراض المزمنة عن إمكانية الرضاعة الطبيعية وهي تستعمل تلك الأدوية وهنا نتكلم بشكل عام. الأدوية التي قد تصبح الرضاعة الطبيعية محظورة مؤقتاً عند استعمال الأم لها هي التتراسيكلين، سيكلوسبورين، سيكلوفوسفاميد، كلورامفينيكول، الأدوية المثبطة للمناعة، الأدوية المشعة. أما (البندول)، ومعظم المضادات الحيوية (غير المذكورة آنفاً)، مضادات الصرع، أدوية الضغط، الأدوية المضادة للهستامين، الأدوية المدرة للبول، الوارفرين (مسيل للدم)، الفيتامينات فكلها أدوية آمنة نسبياً للرضاعة الطبيعية. كما يعتبر القليل جداً من الأمراض التي تصيب الأم داعياً لإيقاف الرضاعة الطبيعية مؤقتاً مثل التهاب الدرن النشط المعدي، التهاب الثدي الموضعي بالهيربس.
منقول للفائدةعن الدكتور خالد بن عبدالله المنيع
من السعودية
مواضيع مشابهة: