"بانت سعاد" في مدح الرسولsalla-icon
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ مُتيَّمٌ إثرها لم يفد مكبولُ
وما سعاد غداةَ البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
أرجو وآمل أن تدنو مودتها وما إخال لدينا منك تنويل
**
نُبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
إن الرسول لنور يُستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
**
في عصبةٍ من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا
لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل
هذه بعض أبيات القصيدة العصماء التي أتى بها كعب بن زهير بن أبي سلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمًا وتائبًا عَمَّا كان منه من هجاء للمسلمين، وقد عرفت تلك القصيدة في تاريخ الأدب العربي بـ"البردة" لأن الرسول –عليه الصلاة والسلام- عندما سمعها استحسنها وخلع على كعبٍ بردته لتكون وسامًا لكعب على قصيدته التي أصبحت مَعلمًا،
هناك شبهة مثارة حول العاطفة الدينية والروح الإسلامية لكعب بن زهير ومصدر إثارتها سببان: الأول المقارنة بينه وبين سائر شعراء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما وهذه مقارنة غير منصفة لكعب، فهؤلاء من أصحاب السبق والصحبة أسلموا مبكرًا واقتربوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبوه طويلا وشهدوا مواقع الإسلام الكبرى وعاصروا نزول القرآن وأنشدوا الكثير من الأشعار التي تؤرخ لعصر النبوة، كانت العقيدة روحها، أما كعب فقد تأخر إسلامه إلى ما بعد الفتح، فلم ينل مثل ما نالوه من الشرف والرفعة، ولم يُتح له أن يسهم مثلما أسهموا بشعرهم في الدفاع عن الإسلام وبيان مبادئه.
أما السبب الثاني لهذه الشبهة فهو أن هؤلاء النقاد يحكمون على كعب فقط من خلال لاميته "بانت سعاد" بينما الرجل له أشعار أخرى تؤكد عاطفته الدينية؛ فهو القائل:
فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره .. يمين امرئٍ برٍ ولا أتحللُ
لأستشعرن أعلى دريسي مسلمًا .. لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل
ويقول:
أعلم أني متى ما يأتني قدري .. فليس يحبسه شحٌ ولا شفقُ
ويقول:
لعمرك - لولا رحمة الله- إنني .. لأمطو بجدٍ ما يريد ليرفعا
كما أن قصيدة البردة نفسها لا تخلو من تعبيراتٍ ومضامين إسلامية في مواطن عدة على رأسها تكرار وصفه ومناداته للنبي -صلى الله عليه وسلم- وكان مقام الاعتذار والاسترحام يقتضي -ما لم يكن مؤمنًا صادقًا- أن يقول يا سيد العرب أو يا سيد قريش .. ثم انظر إلى حديثه عن القدر في قوله:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته .. يومًا على آلة حدباء محمول
وقوله:
"فكل ما قدر الرحمن مفعول"
وحديثه عن جهاد الصحابة في عدة مواطن منها:
إن الرسول لسيف يُستضاء به.. مُهند من سيوف الله مسلول
وتعرجه على ذكر الهجرة النبوية المباركة بقوله:
في عصبةٍ من قريشٍ قال قائلهم .. ببطن مكة لما أسلموا زولوا
هذه فقط بعض الأدلة على بطلان الشبهة التي تقدح في حسن إسلام كعب بن زهيرٍ رضي الله عنه.
www.islamonline.net