التجربة السوهاجية
بقلم عمرو عبدالحميد ٢/ ٤/ ٢٠٠٩
جريدة المصرى اليوم
قبل عشرين عاما بالتمام والكمال غادرت سوهاج.. كانت آنذاك محافظة فقيرة، لا تختلف كثيرا عن أخواتها فى الصعيد.. وحين عدت إليها بعد طول غياب، وجدتها تتميز عن بقية محافظات الجمهورية، بلقب (عاصمة الفقر فى مصر)!.. بين فترة وأخرى، يدهشنى، لدرجة الصدمة، تحالف الفقر مع (النحس) ضد سوهاج وأهلها!..
فقد احتلت محافظتى المركز الأول فى عدد ضحايا العبارة (السلام ٩٨)، وتفوقت أيضا فى عدد من التهمهم حريق قطار الصعيد، وقبل ذلك حصلت على مركز متقدم من حيث عدد التوابيت القادمة من بغداد، إبان غضب صدام حسين على مصر والمصريين!.. لكن ذلك كله (كوم) ووجود ستين قرية سوهاجية بين أفقر مائة قرية مصرية (كوم تانى)!..
بعد زيارتك لواحدة من تلك القرى، لن تحتاج عزيزى القارئ لبيانات مراكز التنمية البشرية لتتأكد أن القرويين هناك يعيشون أسفل خط الفقر بمراحل.. سترى بنفسك الفقر رجلا فاجرا يخرج لسانه للجميع!.. غير أن المسؤولين فى سوهاج- على ما يبدو- لا يعترفون بشىء من هذا القبيل، بل إن بعضهم تطوع لتقديم دليل على أن المحافظة الفقيرة المنحوسة، هى عاصمة الرخاء فى مصر!..
الدليل نشرته (الأهرام) الأسبوع الماضى فى تحقيق مثير بعنوان: إعدام ٥٠٠ فدان مزروعة بالقمح فى سوهاج قبل حصادها بشهرين!.. للوهلة الأولى اعتقدت أن خطأ ما فى عنوان التحقيق، وعندما استوعبت الأمر اتصلت بأحد أقربائى، وطلبت منه تقصى أبعاد الموضوع، فأكد لى كل ما نشرته (الأهرام )..
والحكاية ببساطة أن مجموعة من المواطنين صدقوا كلام المسؤولين ودعواتهم إلى تعمير الصحراء، وقاموا باستصلاح مساحة من الأرض الصحراوية قرب مدينة سوهاج الجديدة، وأنفقوا عليها طيلة السنوات التسع الماضية ملايين الجنيهات، حتى تحقق حلمهم وأصبحت تلك الأرض منتجة للقمح والخضروات..
ومنذ أشهر فتحت وزارة الإسكان الباب أمام واضعى اليد لتقنين حالاتهم، فتقدم هؤلاء بطلبات، لكنهم فوجئوا برفضها، بحجة أن المدينة (قد) تحتاج لهذه الأرض فى مشروعات مستقبلية!..
الغريب أن هناك قرابة ٢٠٠٠فدان مجاورة لتلك المساحة، تصلح لإقامة مشروعات لاتزال فى رحم الغيب، والأغرب أن المسؤولين فى وزارة الإسكان رفضوا إمهال الفلاحين شهرين لجنى محاصيلهم، وأصدروا بدم بارد قرار إعدام القمح والخضروات، الذى نفذ يوم ٢٩يناير الماضى..
والأفظع أن اللواء محسن النعمانى، محافظ سوهاج، لم يستمع إلى توسلات الفلاحين حين قصدوه لتأجيل تنفيذ القرار!.. لن أتعرض لمسألة وضع اليد، فمعلوماتى فى هذا الخصوص محدودة، وموقفى لا يؤيد بأى حال التعدى على أملاك الدولة، لكن هذه الواقعة، بتفاصيلها المنشورة فى (الأهرام)، تحتاج إلى وقفة جادة وتوضيح شامل من الجميع، خاصة من قبل المحافظ، الذى جعلنى أشك أن قصده من إعدام القمح ربما كان من باب شد الانتباه إلى محافظته، والبرهنة على ثرائها، علها تصبح يوما ما مقصدا للاجئين من سويسرا!..
وما يزيد الغيظ أن نشر تلك الواقعة فى (الأهرام) تزامن مع نشر تقرير خطير للزميل محمود مسلم فى (المصرى اليوم) عن إنفاق ٥.٦ مليار جنيه فى توشكى لزراعة ٢.٤%من المساحة المستهدفة!.. كما تزامن أيضا مع الزيارة التى قام بها جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب الوطنى إلى قرية ( نزلة القاضى) السوهاجية، التى تحتل موقعا بارزا على خريطة الفقر فى مصر.. وددت أن أكون هناك لأقترح عليه أن يدرج فى برنامج زيارته موقع جريمة إعدام القمح، أو على الأقل لأسأل فى حضوره محافظ سوهاج: سيادة الوزير اللواء المحافظ، هل نمت ليلة ٣٠ يناير مرتاح البال؟!
amroabdelhamid[at]hotmail.com