.
إنكم يا سادتي تعرفونني من خلال السيرك الذي قدّمتُ فيه عروضي أمامكم لسنوات. عرفتموني ذلك البهلول الذي يقف أمام الناس بوجه زاه متّشح بالبياض، مزيّن بإبتسامة حمراء عريضة و أنف مطّاطي مكوّر و شعر أحمر أشعَثْ. لقد شاهدتموني أتحرّك كالمجنون و أطلقُ عباراتي العبيطة جزافا كالمعتوه. كل ذلك في سبيل إبتسامة صادقة بريئة أردتُ أن أرسمها على وجوهكم.
لكنكم لا تعرفون الكثير عن البهاليل*. البهلول أيها السادة هو أكثر من يُضحك الناس و أقلّهم ضحكا! لولا أنكم تصدّقونه و تؤمنون بشخصيّته لما ضحكتُم، في حين أن البهلول يعلم بأن مهنتَهُ ليست إلا ضربا من الجنون.
البهلول يُضحك الناس في كل الأوقات. إنه لو كان مُكتئبا سيُضحكهم، و لو كان مُفعما بالحيوية سيُضحكهم، و لو أنه تخاصم مع زوجته سيُضحكهم، و لو أن نهاره مضى دون أن يُرزق شيئا سيُضحكهم، و لو أن ابنته الوحيدة أصيبت بمكروه سيُميتُهم من كثرة الضحك.
البهلول رجلٌ اعتَادَ أن يكون في نظر الناس بهلولا. إنه لو سأل صديقه "هل رأيت مفاتيح سيّارتي؟" فهو بهلول، و لو طلب من مدير السِّيرك إجازة فهو بهلول، و لو قال لبائع الخضار عند أول السوق "صباح الخير" فهو بهلول، و لو نظّف أسنانه بعد الأكل فهو بهلول. هو بهلول، و حُكِمَ عليه أن يكون بهلولا طوال حياته.
إذن فالبهلول يُضحك الناس، يُضحكهم في جميع الأوقات، لأنه بهلول. كيف بي لم أكتشف هذا من قبل!
.
-----------------
* بهاليل: جمع كلمة بهلول، و تعني "البلياتشو" أو "البهلوان" .. الذي يُضحك الناس.
.