تحديات الزراعة في بلادنا العربية والإسلامية
قال تعالي: " وجعلنا من الماء كل شئ حي" وهذا يكفي. فمتوسط نسبة الماء لا تقل عن 70 % وقد تصل إلي 90 % في الخضروات علي سبيل المثال.
وحول الماء العذب تنشأ الحضارات وتزدهر بمقدار وفرته وطريقة الحصول عليه. والغذاء في هذا الزمان مشكلة تواجه العالم، ليس لكونه مشكلة زراعية فحسب بل لكونه مشكلة جوع ذو تأثيرات سياسية وإجتماعية متشعبة، وإنتاج الغذاء لمواجهة الجوع يحتاج الي الري وعلي نطاق واسع خصوصاً في المناطق الجافة وشبه الجافة التي لا تسقط عليها الأمطار إلا نادراً أو بكمية لا تكفي للإستزراع والإنتاج، حتي المناطق الممطرة كما في أوروبا أصبحت كمية الأمطار الصيفية بها لا تكفي الإحتياجات المائية للمحاصيل النامية فعلاً مما دفع المزارعين إلي إدخال نظم الري الحديثة لسد العجز الطارئ في كمية الأمطار نتيجة لتقلبات المناخ في العالم كله.
ولقد إستقر المصريون منذ القدم علي ضفاف النيل فعرفوا الري واتقنوه ثم طوروه بإنشاء القناطر الخيرية وشبكات الترع المتشعبة ، ولكن الأرض المروية ضاقت بمن عليها .. فإلي أين؟
إلي الصحراء خارج الوادي والدلتا، إلي الصحراء الهامدة بحثاً عن مصادر المياه الصالحة وترشيد إستعمالها بإتقان الري ورفع كفاءته. وصدق الله العظيم إذ قال:" وتري الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت".
من هنا فإننا ندعوا كل مسلم سواء متخصص أو غير متخصص أو مسئول بأن نضافر الجهود والأفكار معاً وتتشارك جميع عقولنا لهدف توفير الطعام اللازم لنا فهي مسألة سياسية في المقام الاول فلن يستطيع شعب لا يملك لقمة عيشه من ان يكون سيد قراره ، وتعجبني حكمة عظيمة قالها الشيخ زايد بن سلطان اَل نهيان رحمة الله عليه حيث قال: " إعطني زراعة أُعطبك حضارة."
ومن وجهة نظري وللوصول إلي هذا الهدف يجب إتباع عدة خطوات منها ما يلي:
- المحافظة علي المياه في جميع الأحوال وعدم إهدارها ولو حتي في الإستهلاك المنزلي، وهذا ليس من أجل كمية المياه المهدرة فقط وإنما للحفاظ علي نعمة أنعمها الله علينا. فالله سبحانه وتعالي هو الرزاق صاحب النعمة والله سبحانه وتعالي لا يأخذ نعمة أنعم بها علي إنسان إلا إذا أهدرها الإنسان بنفسه.
- التفكير في كيفية الإستفادة من المياه المالحة للأبار ومياه البحار في الري إما من خلال أفكار تتعلق بتحلية مياه البحر أو بإستنباط نباتات تتحمل درجات الملوحة العالية علماً بأن اليابان إستطاعت أن تزرع الأرز علي مياه البحر.
- دراسة الإحتياجات المائية الحقيقية للنباتات وعدم إعطاء النباتات أكثر من إحتياجاتها حتي لا نهدر المياه بدون داعي.
- عدم تقليد الغرب التقليد الأعمي في كل تصرفاته وأقصد بذلك مثلاً ملاعب الجولف والحدائق الكبيرة ومسطحات النجيلة فأوروبا مثلاً بلاد ممطرة أساساً مما ساعد علي ظهور المراعي الطبيعية والمسطحات الخضراء بدرجة كبيرة. أما جميع الدول العربية فهي بلاد مناطق حارة وجافة فما معني أن نحاكي أوروبا بملاعب جولف ومسطحات خضراء بمئات الأفدنة والتي تستهلك كميات هائلة من المياه يومياً والتي لو كان تم توجيهها لزراعة القمح مثلاً لكان أفضل لنا من زراعة النجيل. فيجب علينا معرفة ما ينفعنا وما لا ينفعنا بل ويضرنا فليس المهم مقدار المال العائد من مثل هذه الملاعب بقدر كمية المياه المهدرة والتي كان من الممكن إستغلالها في توفير لقمة العيش. هذا من وجهة نظري الشخصية وإن كان هذا الكلام سيغضب كثير من المشتغلين بهذا المجال وأنا واحد منهم ولكنها كلمة حق.
- يجب ظهور شركات عربية متخصصة وبمساهمة رجال الأعمال المخلصين لأن الحكومات لن تفعل كل شئ ، وتكون هذه الشركات متخصصة في مجال البحوث المتعلقة بإنتاج بذور عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض وتلائم بيئتنا وظروفنا العربية والإسلامية. فلو نظرنا للواقع الأن نجد أن جميع المزارعين في مصر الأن وأعتقد جميع الدول العربية يقوموا بزراعة بذور خضروات مستوردة وهذه البذور تمتاز بإنتاجيتها العالية جداً ومقاومتها للأمراض وتماثل إنتاجها من حيث الثمار بالمقارنة بالبذور البلدي التي كان يستخدمها المزارع منذ وقت ليس ببعيد . هذا كلام جيد ولكن المشكلة تكمن في أن هذه البذور إذا أخذت ثمارها وأخرجت البذور منها وتم تجهيزها وزراعتها مرة أخري فلن تخرج ثمار وستخرج أوراق خضراء فقط بدون ثمار، أو علي الأقل بإنتاجية ضعيفة وسيئة جداً ، وبالتالي فنحن مضطرون لأن نستورد البذور في كل موسم زراعة . فماذا سيحدث إذا حدث في يوم من الايام وخرج قرار سياسي بعدم توريد بذور جديدة لنا ؟؟!! ستحدث لنا مجاعة لأننا سيكون لدينا الأرض والماء والأيدي العاملة ولا توجد بذور نزرعها خصوصاً إذا إندثرت بذورنا القديمة الأصيلة.
- هذا الكلام أيضاً ينطبق علي مزارع الإنتاج الداجني. فجميع مزارع الدواجن تستورد البيض من الخارج وعند الإستيراد يتم توضيح الهدف من البيض، هل هو من أجل إنتاج دواجن لتنتج البيض أم من أجل دواجن للتسمين؟ فإذا كان إستيراد البيض من أجل دواجن بياضة فإن الكتاكيت الناتجة عن البيض تخرج فراخ بياضة ولا تخرج أي ديك والفراخ تكون عقيمة. وإذا كان البيض المستورد من أجل إنتاج دواجن للتسمين ، فإن الكتاكيت الناتجة عن ذلك البيض لا تبيض أبداً وتكون عقيمة ولكنها تكبر وتكون مجهزة للبيع في ظرف 21 يوم فقط منذ خروجها من البيضة. وهذا الكلام أيضاً في غاية الخطورة. ولكن من رجال الأعمال لهذه الأبحاث ؟!!!!
- بخصوص شبكات الري: أصبح يوجد الأن الكثير من الشركات والمصانع العربية لإنتاج خامات شبكات الري من مواسير وخراطيم تنقيط ونقاطات بأنواعها ورشاشات مياه وفلاتر وغيره من المستلزمات. هذا شئ جميل ولكن المؤسف أنه كم شركة من هذه الشركات لديها أقسام بحث وتطوير وإبتكارات. أكاد أجزم أن جميع هذه الشركات مشت في الطريق السهل وهو طريق التقليد، وللأسف أيضاً التقليد الأعمي فقامت المصانع بعمل إسطمبات للمنتج المستورد وقامت بتقليده بدون وعي عن أهمية كل جزء من أجزائها وماذا يحدث لو كان هذا الجزء غير موجود أو موجود بشكل أخر. لقد بذل الغرب بمن فيهم إسرائيل جهوداً كبيرة في الأبحاث والتطوير ثم نأتي نحن ونفتخر بأننا قلدنا منتج لهم تماماً ، هذا ليس بالمهم لأنهم سيظلوا يفكرون ويتنجوا الجديد ونحن بهذه الطريقة سنظل نجري ورائهم لنسرق الأفكار جاهزة. ما أود أن أقوله أننا يجب أن يكون لدينا رجال بمختلف المجالات داخل شركات أو أقسام داخل شركات عربية يكون شغلها الشاغل التفكير في الجديد والتفكير لابد أن لا يعتمد علي التفكير النمطي. إذا حدث ذلك أكيد سيكون لنا شأن حقيقي.
كانت هذه أول بدايات كتاباتي ، وفضلت أن تكون عبارة عن مجموعة خواطر عن مستقبلنا الزراعي.وستكون هناك مجموعة من المواضيع عن مكونات وأساليب وطرق الري الحديثة وسيتم نشرها تباعاً بعد إعدادها.
والله ولي التوفيق.
م/ أحمد البطراوي
مواضيع مشابهة: