B: تجميد اللحوم:
تجمد اللحوم عند الرغبة في حفظها لمدة طويلة قد تمتد عدة سنوات, حيث يؤدي التجميد إلى إيقاف نشاط الأحياء الدقيقة والقضاء على الكثير منها, كما أنه يعيق النشاط الأنزيمي في الأنسجة ويجعله بطيئا جدا حيث لا تلاحظ آثار النشاط الأنزيمي إلى على المدى الطويل.
يمكن النظر لعملية تجميد اللحوم على أنها عملية تجميد للسائل النسيجي الذي يتكون من محلول غروي للبروتينات وما يرافقها من مواد عضوية وغير عضوية ذائبة. لذلك فإن درجة الحرارة التي تتكون عندها البلورات الثلجية ستكون حتما تحت الصفر بمقدار يتعلق بالتركيز الأيوني والجزيئي للمواد المجمدة. حيث يبدأ العصير اللحمي بالتجميد بين -0.6 إلى -1.2مْ. أما اللحم المملح فيبدأ تجمده عند درجات أخفض حسب نسبة الملح.
ويتبين من الشكل التالي أن ماء النسيج العضلي يبدأ بالتجميد وتكوين البلورات الثلجية عند حرارة -0.5 مْ وبانخفاض الحرارة إلى -2 مْ تكون نسبة الماء المتجمد في حدود 65% أما بعد ذلك فإن معدل التجمد يقل, حيث يتجمد حوالي 75% من ماء النسيج العضلي عند حرارة -4 مْ.
لما كان معظم ماء اللحم يتجمد عند درجات حرارة تتراوح بين 0.6 و-4 مْ فإن هذا المجال يسمى بمنطقة التكون الأعظمي للبلورات الثلجية, وبانخفاض الحرارة إلى درجات أدنى من ذلك تزداد نسبة الماء المتجمد ولكنه لا يتجمد كليا, فعند -10 إلى -15 مْ يبقى حوالي 5% من الماء بالحالة السائلة وحتى عند درجات حرارة منخفضة جدا -33مْ يبقى جزء من الماء غير متجمد وإن كانت كميته قليلة جدا لا تتعدى حدود 1%.
يمر ماء النسيج العضلي بثلاثة نقاط مميزة أثناء التجميد, أولاها الوصول إلى نقطة التبريد الأعظمي (وهي النقطة التي يتحول بعدها الماء مباشرة من الحالة السائلة إلى الحالة المتجمدة). وثانيها تكوين نويات الثلجية ونمو وكبر حم البلورات الثلجية, وثالثها تراكم الماء المتجمد حول النويات الثلجية ونمو وكبر حجم البلورات الثلجية.
إن أعداد النويات المتكونة يتعلق بأمور كثيرة من أهمها سرعة عملية التجميد ويلاحظ أن حرارة القطعة المجمد ترتفع قليلا في لحظة تكون البلورات الثلجية (عند نقطة التبريد الأعظمي) ويفسر ذلك بانطلاق الحرارة الكامنة للتبلور (للانصهار في الحالة المعاكسة أي عند تحول الماء من الحال الجامدة إلى السائلة حيث تمتص حرارة بدلا من انطلاق الحرارة, ويوضح الشكل التالي هذه الحالة عند تجميد شريحة رقيقة من اللحم.
2- نقطة التجمد
3- نسبة الماء المتجمد
تتم عملية التجميد بإحدى طريقتين: التجميد البطيء أو التجميد السريع ففي حالة التجميد البطيء تكون حرارة المجمد في حدود -10 إلى -20 مْ, وتعتبر عملية التحميد منتهية عند وصول الحرارة في مركز سمك القطعة إلى -6 مْ أو أقل حيث تحفظ بعدها في مجمد لا تزيد حرارته عن -10 مْ وتستغرق هذه العملية مدة تتراوح بين 12-72 ساعة حسب حرارة التجميد وحجم وسمك المادة المجمدة وسرعة التيار الهوائي والفرق بين درجة حرارة المادة الابتدائية وحرارة المجمدة تجمد أنصاف الذبائح وأرباعها والقطع الكبيرة السمكية بهذه الطريقة.
أما في حالة التجميد السريع فتتم عملية التجميد في مجمدات تترواح حرارتها بين -40 إلى -50 مْ, وتعتبر عملية التجميد منتهية عند وصول الحرارة في مركز سمك القطعة إلى -10 مْ, أو أقل حيث تحفظ بعدها في مجمد لا تزيد حرارته عن -20 مْ وتستغرق هذه العملية مدة تتراوح بين 10 دقائق إلى 3ساعات, تجمد القطع الصغيرة والشرائح عادة بهذه الطريقة. ويعرف التجميد السريع بأنه الحالة التي يتم فيها التبادل الحراري المؤدي إلى تجمد الأنسجة بسرعة 3ملم/د والتي تمر فيه المادة الغذائية في منطقة التكون الأعظمي للبلورات الثلجية في مدة نصف ساعة أو أقل حيث يتجمد الماء بهذه الطريقة مشكلا بلورات ثلجية صغيرة الحجم كثيرة العدد والتي تسمى بالحالة شبه الزجاجية للبلورات الثلجية.
إن عملية التجميد بشكل عام تؤدي إلى خفض نوعية المنتج المجمد من حيث صفاته التكنولوجية وعظم صفاته النوعية (إلا من حيث الطراوة فتزداد). فتقل مثلا مقدرة اللحم على ربط الماء بسبب دنترة البروتينات, وحدوث تهتك في جدار الألياف العضلية يؤدي لضعف القوام وانخفاض القيمة الغذائية بسبب الفقد الحاصل في العصير الخلوي المنفصل (drip) أثناء إعادة اللحم إلى الحرارة العادية حين الاستعمال, كما أنه تحدث تغيرات غير مرغوبة في رائحة اللحم إلى الحرارة العادية حين الاستعمال, كما أنه تحدث تغيرات غير مرغوبة في رائحة اللحم ولونه بسبب تسامي الرطوبة من على سطح المادة المجمدة, مما يعضها لتأثير الهواء بشكل أكبر مما يؤدي للإسراع من أكسدة الدهون والميوجلوبين (إضافة لدنترته) فيكتسب اللحم رائجة غير مرغوبة ولونا داكنا يطلق عليه الحرق التجميدي, لذلك يفضل لف اللحم بورق السولفان ووضعه في عبوات كرتونية للتقليل ما أمكن من هذه التغيرات, وتكون هذه التغيرات أقل وضوحا في حالة التجميد السريع لأسباب عديدة أهمها طبيعة تكون البلورات الثلجية وحجمها, وانخفاض التفاعلات الأنزيمية إلى الحدود الدنيا, ففي حالة لتجميد البطيء تتكون أعداد قليلة من البلورات الثلجية ولكن أحجامها كبيرة وبسبب ضغط حوافها الحادة على جدر الألياف العضلية تتمزق الأخيرة وتتهتك بدرجة كبيرة يتبعها فقد كبير في السائل المنفصل عند إعادة اللحم للحالة الطبيعية, كما يؤدي ذلك إلى ضعف قوام اللحم وشدة تأثير العوامل المؤكسدة على الدهن والميوجلوبين, أما في حالة التجميد السريع فنجد أن عدد البلورات الثلجية كثير جدا ولكن أحجامها صغيرة, وكلما انخفضت حرارة التجميد أكثر, كلما كانت عدد البلورات الثلجية أكثر وكانت أحجامها أصغر حتى تتكون بحالة شبه زجاجية وفي مثل هذه الحالة يكون التمزق قليلا في جدر الألياف العضلية, وتكون كمية السائل المنفصل أقل ما يمكن, ويكون القوام أفضل, بالإضافة إلى أن التفاعلات الكيماوية تكون أقل تطورا, لذلك فإن عملية التجميد السريع تكون أفضل من التجميد البطيء.
من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها أثناء التجميد والتخزين عدم تذبذب درجات الحرارة, لأن ذلك يؤدي إلى ذوبان جزء من البلورات الثلجية عند رفع الحرارة وعودتها للتشكل عند انخفاضها, مما يزيد من فرصة تهتك وتمزق الألياف العضلية, وبالتالي زيادة الفقد في السائل المنفصل الذي يحتوي على مركبات غذائية هامة عالية القيمة الغذائية كالبروتينات الذائبة والببتيدات والأحماض الأمينية والفيتامينات والأملاح المعدنية وغيرها كما يجب مراعاة إعادة اللحم إلى الحرارة العادية ببطء شديد ما أمكن, للتقليل من كمية السائل المنفصل, لأنه كلما كانت عملية رفع حرارة اللحم المجمد متدرجة وطالت مدة التسيح, كلما كانت الفرصة مواتية أكثر للألياف العضلية بامتصاص كمية كبيرة من السائل المنفصل.
يلاحظ أن اللحم الذي سبق تبريده أو تجميده ثم أعيد للحالة الطبيعية يكون أسرع فسادا من اللحم الطازج, حيث يفسر البعض ذلك بزيادة درجة نشاط الأنزيمات بعد التجميد أو التبريد, أما الغالبية فيرجعه إلى ظاهرة التريق بعد الخروج من البرادات, حيث تتكاثف الرطوبة على سطح اللحم وتخلق ظروفا أكثر ملائمة لنشاط الأحياء الدقيقة والأنزيمات.
من وجهة النظر التكنولوجيا يمكن أن نجد في المخازن المجموعات التالية من اللحوم حسب درجة حرارة حفظها:
- لحم طازج بعد الذبح وفي حدود ساعتين.
- لحم مبرد لا ترتفع درجة الحرارة في عمقه الداخلي عن 4 مْ بعد التبريد في الشروط النظامية.
- لحم عادي مبرد لدرجة حرارة الوسط المحيط في الظروف غير المنتظمة (كما في حالة اللحم العادي الموجود في البرادات المفتوحة في المحلات).
- لحم في حدود التجمد البسيط حرارته -2 على -3 مْ.
- لحم معاد إلى التبريد بعد تجميده حتى تصل الحرارة تحت شروط خاصة إلى -1 مْ.
من كتاب تكنولوجيا اللحوم (الجزء النظري).