تحقيقات الأهرام
الاهرام : الاحد : 17 / 6 / 2007 م
كوكبة من أرباب الأدب والفن ونجوم الرياضة والسياسة ومجالات أخري عديدة يتقدمهم عادل إمام وسمير غانم ومحمود عبد العزيز وصلاح السعدني.. أشهر خريجي الزراعة في مصر لم يستصلحوا يوما أرضا أو ينثروا حبا فقد كانت مواهبهم الطاغية هي سبيلهم لاستنبات الضحكات وغرس البهجة الغامرة في وجدان الملايين.. والصدق مع النفس هو الغاية القصوي لكل فنان أصيل.. أو عالم جليل لذلك تجاسر أساتذة كلية الزراعة بجامعة المنصورة علي مواجهة النفس بالحقائق التي بلورتها الدراسة التتبعية لخريجي الكلية.. حيث أظهرت النتائج التي أشرف عليها قسم الارشاد الزراعي تناقص أعداد الطلاب في كليات الزراعة بصفة عامة وهي ظاهرة تتذر بالخطر وتتطلب سرعة الحركة والتنبيه لتدارك عواقبها الوخيمة. فنتيجة لزيادة معدلات النمو السكاني بمعدلات أعلي من النمو الزراعي.. واحتياجنا لاستصلاح آلاف الأفدنة متضرعين إلي الله أن يصد عنا الهجمات الصينية الشرسة والتي بدأت أولي بشائرها باستيراد الثوم وأن يمن علينا بعمر نوح وصبر أيوب ومال قارون لكي نتمكن من إنجاز تلك المهمة الشاقة التي يعجز أمامها معظم شباب الخريجين.. نظرا لتعاظم التحديات التي تواجههم.. مقابل تواضع الامكانات المتاحة أمامهم..
ومن خضم هذا التحدي الأعظم تبرز أهمية مناقشة قضية انحسار الطلب علي كليات الزراعة حيث استعرضت ـ تحقيقات الأهرام ـ جميع الآراء الأكاديمية والعملية لبعض الأساتذة وعمداء كليات الزراعة الـ19 علي مستوي الجمهورية وكان السؤال الرئيسي الذي طرح نفسه: هل نحتاج للمزيد من الكليات مستقبلا.. أم نغلق بعضها حاليا بعد أن أصبحت بعض الأقسام مثل قسم أمراض النبات خالية من الطلاب وقسم الارشاد بزراعة المنصورة ألتحق به خمسة طلاب فقط العام الماضي.. أما نسبة الأساتذة إلي الطلاب فقد بلغت1:4 في زراعة القاهرة مع ملاحظة أن النسبة المثالية تقدر بأستاذ لكل25 طالبا الأمر الذي يستوجب مراجعة الجدوي الاقتصادية لبعض الكليات التي وصفت في الآونة الأخيرة بكليات القاع في مقابل كليات القمة وإذا كان الاعلام بجميع وسائله قد ساهم في صك هذا التعبير الذي يحمل نظرة دونية حتي أصبح حقيقة راسخة البنيان فقد آن الأوان لتغيير تلك السلفية الزراعية القائمة علي المحراث والفأس والجاموس وإيقاظ الوعي المجتمعي بالتطوير الشامل الذي شهدته مقررات كليات الزراعة لكنه لم يؤت ثماره بعد حيث لم تتخرج دفعة واحدة بهذه المناهج التبشيرية فكلية الزراعة بجامعة القاهرة ـ واحدة من أعرق الكليات في الشرق الأوسط ـ تيسر لطلابها مقررات كاملة بالانجليزية والفرنسية و18 تخصصا دقيقا ومواد عامة تشتمل علي التشريعات والقوانين وإدارة الأعمال والتذوق الموسيقي وتاريخ العلم وفسيولوجي والاستشعار عن بعد بهدف بناء شخصية الطالب فالدراسة غير مملة وشديدة الثراء لكنها لا تخلو من الصعوبة التي قد يتجنبها الطالب اذا التحق بكلية أكثر يسرا في مقرراتها طالما أنها تتساوي معها عسرا في معترك البحث الوظيفي وضعف مناعتها ضد البطالة مع الأخذ في الاعتبار أن سوق العمل تتطلب قدرة مالية في المقام الأول أما التخصص فقد يشغله خريجو الكليات المختلفة.. كما يطالب البعض بتغيير المسمي الزراعي في الكليات طالما أن كلية زراعة.. مازالت تحتفظ بمغزي تراثي لا يجتذب الشباب.. وقد أقبلت بعض الدول الأوروبية والعربية علي تلك الخطوة بالفعل..
زراعة بالإنجليزي
د. أشرف هشام برقاوي عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة يبدأ حديثه بالأرقام موضحا أن عدد طلاب الكلية دفعة2006 يبلغ1150 طالبا وأن عدد الإناث يفوق الذكور وأن الزراعة أصبحت ممارسة أكثر منها علما مستقلا.. بل أنها أصبحت مهنة من لا مهنة له حتي أن نقابة المهن الزراعية تمنح خريج الزراعة الحاصل علي مؤهل متوسط لقب مهندس بعد مرور عشر سنوات علي تخرجه.. في واقعة غير مسبوقة في أي تخصص آخر!! وقد ألقي البعد الاجتماعي من خلال تفضيل الأهل لكليات القمة بظلاله الشاحبة علي كليات الزراعة خاصة بعد غياب فرص التوظيف الحكومي الذي كانت تهيئها وزارة الزراعة للخريجين ويضيف د. أشرف: أن عملية الإقبال والانحسار علي الكليات عملية ديناميكية تتغير تبعا للظروف والمستجدات.. وقد حدث تطور لا يمكن إغفاله في مجال التكنولوجيا الحيوية والانتاج الحيواني بالاشتراك مع الجامعات الأمريكية وتم تطوير المناهج تمهيدا للوصول لمقررات الزراعة الدولية وتهيئة فرص العمل أمام الخريجين عالميا كما أن سوق الأسمدة والمبيدات تتطب معرفة جيدة باللغات ومهارات الكمبيوتر وعن أهم التحديات التي تواجهنا يجيب قائلا: قضايا الزراعة أصبحت وثيقة الصلة بندرة المياه وشحها ومن ثم لم تعد الزراعة تكفي بإنتاجية الفدان ولكنها تأخذ في الاعتبار حساب تكلفة فدان الأرز مثلا من مياه الري فهو يستهلك في مصر9500 متر مكعب من الماء بينما نجحت بعض الدول في زراعته بما لا يتجاوز5500 متر مكعب فلابد من إعادة هيكلة الماء في الزراعة باعتبارها المستهلك الأكبر له ومن هنا تبرز أهمية التنمية الزراعية من خلال الاستعانة بالمزيد من المهندسين الزراعيين.. إضافة لاحتياجنا للخبراء المتخصصين في المزروعات المهندسة وراثيا.. ويختتم حديثه قائلا: الدراسة بكلية الزراعة شاقة ومجهدة.. تتطلب الانفاق عن سعة علي المعامل والأجهزة والتحلي بالصبر نظرا لاضطرار الطالب للوقوف ساعات طويلة في أوقات الذروة الشمسية الحارقة.. وفي النهاية فالكم لا يزعجني.. طالما أننا نعتني بالكيف ونحرص علي تعليم شريحة ولو صغيرة.. تعليما جيدا ويفجر د. محمد عبد المجيد مدرس الارشاد بزراعة المنصورة وأحد المشرفين علي الدراسة السالفة الذكر قضية الكم بصورة تستند للجدوي الاقتصادية والأعباء المالية ويشير إلي أن بعض الكليات ذات الكثافات المنخفضة طلابيا ستأخذ علي غرة فبرنامج وزارة التعليم العالي المقترح لتطوير الكليات يفترض وجود رابطة مالية بين ميزانية ومخصصات الكليات وأعداد الطلاب وهذا من شأنه أن يؤدي إلي ظلم لطلبة الزراعة مقارنة بالكليات النظرية ذات الكثافات المرتفعة وعن التيسيرات المتوافرة لخريج الزراعة يؤكد د. محمد عبد المجيد أن الدراسة صعبة وفرص العمل ليست سهلة... بل إن من يستصلحون الأراضي يعانون الأمرين سواء في توليد الكهرباء أو الحصول علي مياه الشرب ويجازفون بحياتهم لافتقاد الأمن الرادع في بعض المناطق حيث يتم السطو علي المواتير والمعدات... إضافة إلي خلو الوحدات الصحية من الأطباء بالرغم من تعرض قاطني هذه المناطق للدغات العقارب والثعابين في تلك المناطق الصحراوية التي يستصلحونها وكلها حزمة من الأسباب تدعو الطالب وأسرته لعدم الالتحاق بكليات الزراعة!! ويتساءل د. علاء البدوي استاذ ووكيل الشعبة الزراعية بالمركز القومي للبحوث عن السبب الكامن وراء عدم شكوي العاملين في قطاع البترول... بالرغم من أنهم يعملون أيضا في جوف الصحراء وأعالي البحار؟
ويستدرك قائلا: الإجابة يعلمها الجميع... فكل سبل الحياة الكريمة متاحة لهم في تلك الأماكن النائية, ومن أجل مكافحة الاحتكار... يطالب بإنشاء جمعيات تعاونية.. تحمي شباب الخريجين في الأراضي الجديدة من جشع السماسرة الذين يستحوذون علي الجزء الأكبر من دخل الأرض ولا يتركون لهم إلا الفتات... ويضيف أن لديه مشروعا لاستخدام قش الأرز وإعادة تصنيعه أعلافا كاملة للحيوانات... من خلال الاستعانة بخريجي الزراعة وفي عبارة حاسمة يقول: سوق العمل تحتاج لكل الخريجين لكننا لا نحسن توزيعهم.
التمليك ليس هو الحل
بينما يستنكر د. مرسي أبو السعود عميد كلية زراعة الإسكندرية بالشاطبي وصم المقررات بالعقم أو التقادم ويتساءل قائلا: إذا كانت دراسة الاساسيات في العلوم والرياضيات لا تتعارض مع دراسة احدث الدراسات في كلا المجالين... فلماذا نتهم العلوم الزراعية بالتخلف عن روح العصر لأننا نحرص أيضا علي تدريس الأساسيات ثم نتجاوزها أيضا من خلال تدريس أحدث النظريات العلمية ومن خلال رؤيته الأكاديمية والخبرة المتبادلة يطالب د. مرسي بضرورة تجنب استخدام كلمة زراعة في مسمي الكليات لان التجارب اثبتت ان بعض الكليات نجحت في تبديل الصورة الذهنية التقليدية للزراعة من خلال استخدام مسميات مستحدثة مثل إدارة النظم البيئية أو كلية البيوتكنولوجي في بعض الدول الأوروبية والعربية ويستطرد قائلا: يحظي قسم الهندسة الزراعية ببعض الإقبال النسبي لأننا أدخلنا كلمة الهندسة والأمر كذلك في المانيا فهم يطلقون علي قسم أمراض النبات...( طب النبات) ومن الملائم أن نفعل نحن ذلك أيضا... لأن الجواب يقرأ من عنوانه... ومن مضمونه أيضا وقد أصبح يتسم بالحيوية والمقررات العصرية... ومن وجهة نظر مختلفة يؤكد أن توزيع الاراضي علي شباب الخريجين ليس هو الحل لأنه يؤدي الي تفتيتها الأمر الذي يتعارض مع استخدام أحدث أساليب الزراعة والأجدي أن يتم توظيف خريجي الزراعة في مشروعات زراعية كبيرة.
زهور الزينة تجارة واعدة
ويدعم م. رأفت إسماعيل وكيل وزارة الزراعة هذه الرؤية ويشير إلي أن الطالب يتخرج في سن صغيرة نسبيا مفتقدا الخبرة المطلوبة لإدارة زمام أرض زراعية وغالبا ما يبدد الموارد المادية التي يحصل عليها عن طريق الإعانات لذلك تتبني الوزارة حاليا فكرة إنشاء شركات مساهمة ككيانات كبيرة تستوعب الخريجين بحيث يحصل كل مهندس زراعي علي الأسهم التي تتفق مع مجهوده وأدائه وهي صيغة ملائمة تضمن استيفاء البنية الأساسية التي ستقع علي عاتق الدولة في هذه الحالة لا الأفراد... ويتفق د. عبد السلام جمعة نقيب الزراعيين ــ نصف مليون عضو ـ مع هذه الرؤية في أحد جوانبها فالشركة المساهمة ــ من وجهة نظره اقتراح عملي جيد لكي نتجنب تفتيت الملكية لكن لابد أن يتملك الخريج فيما بعد الأرض لكي يشعر بالانتماء والخصوصية وفيما يتعلق بمحددات المهنة وحمايتها... لم يزخرف د. عبد السلام حديثه بعبارات نقابية طنانة, ولكنه أكد أن القانون يفرض بعض المحددات علي من يعملون في مستلزمات الإنتاج والمبيدات والاسمدة والتقاوي ولكنها قوانين غير مفعلة ويعتز د. عبد السلام باختلاط مفهوم الزراعة بالفلاحة ولا يستهجنه لأن الأخيرة من( الفلاح) وفي تونس يطلق علي وزارة الزراعة اسم وزارة الفلاحة... ويختتم حديثه قائلا: ستحتاج المشروعات الكبري في توشكي وسيناء والعوينات إلي مزيد من المهندسين الزراعيين الأكفاء!! وعن الجانب المشرق الذي ينتظر خريجي كليات الزراعة يتحدث م/ هاني أبو النور عن رحلة كفاحه التي بدأت باستصلاح نصف فدان.... ومزرعته الحالية التي تقدر بــ120 فدانا نتيجة لمثابرته واجتهاده, ومن خلال علاقاته مع بعض الدول التي تستورد انتاجه نجح في الحصول علي دعم مالي لمشروعات البنية الأساسية في مزرعته ويؤكد أن هذا النمط الإنمائي تتبعه أكثر الدول التي تتعاون مع مزارعنا الخاصة ويحدثنا د. جمال التركي رئيس قسم زهور الزينة بجامعة الإسكندرية عن الآفاق التي تنتظر طلاب القسم البالغ عددهم15 طالبا حيث أصبحت الخبرة التصديرية في مجال زهور الزينة تلوح ببشائر الخير الوفير فحصتنا التصديرية من الزهور قفزت في بورصة هولندا العالمية بصورة ملحوظة وإذا كانت مزارع زهور الزينة تحتاج لاستثمارات ضخمة قد تصل لعشرة ملايين جنيه وتقنيات حديثة... لكننا مهيأون للتصدير والمنافسة إضافة إلي أن خريجي هذا القسم ومصممي الحدائق مطلوبون للعمل في الدول العربية.
وأخيرا فقد نبشنا هذه القضية الحيوية ثم جمعنا شتاتها بهدف حلها وعقدها فهل من مجيب
نرجوا المداخلة من اخواننا المهندسين لمناقشة هذا الموضوع
م/ ابراهيم بدر
مواضيع مشابهة: