تحقيقات
41939السنة 126-العدد2001اكتوبر316 من رجـب 1422 هــالأربعاء
الأرز الصحراوي مــن ينقـذه؟!
تحقيق:محمــود القــنــواتي
زارعة الأرز الجديد بالصحراء لاتتطلب غمره بكميات كبيرة من المياهبعد جهد متواصل لمدة تقترب من15 سنة تمكن العالم المصري الدكتور عبد اللطيف محمد أبو حجازي الأستاذ بمركز البحوث النووية من التوصل لأصناف وطفرات جديدة من محصول الأرز تبشر بالأمل حيث يمكن زراعته بالصحراء, وهو يوفر أكثر من30% من كمية المياه ويعطي إنتاجية مرتفعة للفدان, بل ويوفر حوالي شهر من مدة الزراعة, ومن الفوائد المهمة وغير المباشرة لهذه الأصناف الفريدة ـ التي اطلع عليها الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي وشجع التجارب علي هذه الطفرات ـ أنها تحد من تكاثر البعوض وانعدام انتقال البلهارسيا لعدم وجود مياه راكدة يتوالد بها البعوض مثل زراعات الأرز العادية.. وبما أن محصول الأرز من المحاصيل الرئيسية فقد أصبح لدي مصر مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية في توشكي وسيناء والصحراء الغربية حيث ركز الرئيس مبارك علي أهمية الخروج من الشريط الضيق بطول النيل فدعم عددا من المشروعات العملاقة التي وصلت بالمياه لجوف الصحراء لذلك لابد أن نضع هذا الأرز نصب أعيننا وندعم انتاجه في مصر, وندعم أبحاث هذا العالم الذي يعمل في صمت وله عدد من الابتكارات والحلول لمشكلات مستعصية, ورغم ذلك يتم التضييق عليه.. لمصلحة من ذلك الوضع؟!, ولماذا لانستفيد من هذه النتائج العلمية لمصلحة مصر؟!.. وحفز العالم المصري علي التوصل للمزيد من النتائج العلمية الجادة التي نفتقر لها دون إحباط كما حدث لهذا العالم حاليا, فبدأ يهجر البحث العلمي!!!
عبداللطيف أبوحجازىبدأ الدكتور أبوحجازي الأبحاث عام1978 في هذا المجال وكان في هذا الوقت اهتمام البحث العلمي منصبا علي رفع نسبة البروتين في المحاصيل, وتوقف العمل لمدة عام لنقص التمويل, وفي هذه الفترة أعاد العالم المصري تفكيره وحدد أولويات أخري لهذا العمل حيث استشعر ـ علي حد قوله ـ أن منطقة الشرق الأوسط ستدخل لا محالة علي أزمة مياه مما سينشأ عنها بعض المشكلات والصراعات, فبدأت تحويل هدف برنامج بحوث وتجارب الأرز للحصول علي طفرات من الأرز ذات استهلاك قليل لمياه الري, لأنه من أكثر المحاصيل استهلاكا للمياه مع القصب, فركزت علي العمل في اتجاه تقليل استهلاك المياه في الأرز, وبدأ العمل الفعلي لاستنباط طفرات ذات استهلاك قليل لمياه الري عام1981 واستخدمت في ذلك جميع أساليب تربية النباتات المعروفة, مثل التهجين والتعريض للإشعاع وغيرها, واستمر العمل مع كثير من الفشل وقليل من النجاح لكن بعد عام تزايدت نسب النجاح وتقلص الفشل حتي تم الوصول للهدف عام1990, وتم التأكد من ذلك عام1991 وتم نشر ما توصلت إليه عام1992, وتم كل ذلك بمجهود وتمويل شخصي, والأساليب العلمية التي اتبعها العالم المصري حتي يصل لهذه الأصناف والطفرات ـ كما يقول ـ بدأت بتجميع أصناف وطرق وأنواع المادة الوراثية المتاحة بمصر من الأرز, ثم إجراء عمليات تقويم للمراحل المبكرة من العمل وكان عدد الطرق كبير يتعدي50 نوعية, وتقلص العدد بعد الأبحاث الأولية لحوالي20 نوعا, مع إجراء بعض الهجن بين أصناف وأنواع معينة التي تم التدقيق في اختيارها, ثم تلا ذلك عمليات انتخاب لصفة الاستهلاك الأقل لمياه الري.
مواسم عديدة
ويؤكد أنه تكرر ذلك وكل عملية تتطلب موسما لتقويم الوضع وتطوير العمل, وظل هذا التكرار لعدة مواسم, ثم بعد ذلك تدخل العالم المصري بالإشعاع حيث تم تعريض بعض الأصناف المنتخبة الناتجة من الأبحاث لجرعات إشعاعية محددة ثم توالي الانتخاب, إلي أن تم الحصول علي الأصناف الأقل استهلاكا لمياه الري تم زراعتها في أنواع مختلفة من التربة الرملية الصحراوية, ونجحت وأعطت محصولا جيدا, خفض كبير في استهلاك مياه الري, وتم تجربته علي مساحة7 أفدنة بالصالحية الجديدة بالتربة الرملية, وتم تجربة معظم الأصناف بتربة ملحية قلوية بالفيوم علي10 أفدنة وأعطت نتائج جيدة تم إرسالها للمسئولين بالطاقة الذرية ووزير الكهرباء والدكتور يوسف والي,, وتم تجربة الأرز المصري الصحراوي بالسعودية تحت نظام الري المحوري بالرش في تربة رملية وأعطي3 أطنان للفدان.
مضايقات بعد المساعدات
زراعة الأرز التقليدية تتطلب مياها راكدة كبيرة تؤدى الى نقل عدوى البلهارسيا والطفيليات للأطفالوللأسف تمت محاولات لسحب طلب براءة الاختراع من أكاديمية البحث العلمي الخاص بأصناف الأرز الصحراوي التي طلبت تسجيلها باسمي كبراءة اختراع بعد سن المعاش وبموافقة الدكتور هشام فؤاد الرئيس السابق للطاقة الذرية, كما طلبوا سحب تسجيل طلب براءة أخري لاستخدام أشعة الليزر كأداة غير اتلافية لمعرفة لون حبة الأرز دون تقشيرها ودون تعريض الجنين للتلف وهذا شئ مؤسف ومخالف لحقوق الملكية العامة المنصوص عليها في الدستور, لذلك كتبت لرئيس الهيئة وقتها الدكتور عبدالحميد زهران بعد إجباري علي تسليم7 أصناف من الأرز الصحراوي من خلال لجنة ضمت رئيس الهيئة عام2000, وبذلك لا يحق نشر بحوث باسم أي شخص أو التحدث عن هذه الابتكارات التي تعتبر ملكا للدكتور أبوحجازي الذي يقول إنه سلمها لهم رغم تغاضيهم عن المادة48 من قانون العاملين المدنيين في الدولة من القانون47 لسنة72, والتي تنص علي تعويض الباحث والمخترع وكانت المكافأة ـ للأسف ـ منع أي دعم من الهيئة للبحوث أو لحضور مؤتمرات دولية, ورغم ما يحدث له يحاول أن يبقي هذه الطفرات قيد الحياة بمجهوده وماله الخاص.
طفرات وأصناف ثابتة
ويقول الدكتور عبداللطيف أبوحجازي إنه تم إنتاج هذه الطفرات وأصبحت ثابتة تماما وأعلن عنها رسميا في أسبوع العلم الثاني والثلاثين بدمشق بسوريا عام1992, وهذه الطفرات عدد من الأصناف التي تختلف في صفات الحبة من حيث القطر أو الطول والعرض, كما أن الأصناف الجديدة تتفوق في الطعم, لكنها تشترك جميعا في أنها يمكن زراعتها في التربة الصحراوية الرملية, ويتم ريها بالرش بالري المحوري أو بالتنقيط وتزرع بالطريقة الجافة كما يتم زراعة القمح وبنفس آلات التسطير المستخدمة في زراعة القمح أيضا مع ضبط المسافة بين السطور لتصبح71 سم, ويحتاج الفدان من البذور ما بين60 و70 كيلوجراما ويعطي إنتاجية من3 إلي4 أطنان أرز للفدان تحت نظام الري بالرش, ويستهلك من مياه الري كميات أقل تصل إلي50%, وقد قدم الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة المعونة بعد عرض الطفرات عليه, كذلك المهندس ماهر أباظة وزير الكهرباء والطاقة السابق.
أما عن الأرز العادي فيوضح الدكتور عبداللطيف أنه يتم زراعته في تربة طينية ثقيلة لأنه يتطلب أن تكون نباتاته مغمورة بالمياه بارتفاع7 سنتيمترات طوال فترة النمو, وذلك يستهلك كميات كبيرة من مياه الري تقدر بنحو21 ألف متر مكعب للهكتار(10 ألاف متر مربع أي حوالي2,5 فدان), ويروي بالغمر فقط ولهذا السبب لا يمكن زراعته في تربة صحراوية رملية غير متماسكة حيث تتسرب منها المياه بسرعة, وبالتالي لا تتوافر ظروف الزراعة الحقيقية, ويحتاج الهكتار لحوالي170 كيلوجراما من البذور ويتم زراعته بواسطة مدربين ويتم نقل شتلاته للأرض المستديمة بعد حوالي30 يوما من زراعة البذور, وتكون مزارع الأرز العادية كبرك من المياه الراكدة والتي تعتبر بيئة ملائمة لتوالد البعوض الناقل للملاريا ومرض الفيل( الفلاريا), بالإضافة للمساهمة في العدوي بالبلهارسيا, والمتوسط العالمي لمتوسط إنتاجية الأرز العادي حوالي6 طن للهكتار من الأرز الشعير, بعد حوالي7 أشهر زراعة.
تجارب حقيقية ومبشرة
رى الأرز الجديد بالرش وليس بالغمرأما الأرز الصحراوي الجديد الذي توصل له العالم المصري فيزرع وتجود زراعته في التربات الصحراوية وشبه الصحراوية سواء كانت رملية أو رملية طفلية, ولا يستهلك من مياه الري سوي حوالي11 ألف متر مكعب للهكتار, وهي نصف كمية مياه الري التي يستهلكها الأرز العادي ويتم زراعة الهكتار بحوالي110 كيلو جرامات من بذور الأرز الشعير الجافة في تربة جافة بماكينات الزراعة الآلية( السطارات الميكانيكية المستخدمة في زراعة القمح والشعير), ويمكن زراعته يدويا عند عدم توافر الآلات, ويروي بالري المحوري أو بالرش أو بالتنقيط أو الري العادي, ولا يلزم غمر نباتاته في الماء ويكفي أن تكون التربة رطبة( عند السعة الحقلية) كما يمكن ريه بالطريقة العادية فلا توجد فرصة لتكاثر البعوض واكتمال دورة البلهاسيا, ولايحتاج الأرز الصحراوي لعمالة مدربة لنقل الشتلات, ويمكن استغلال الأراضي الصحراوية حديثة الاستصلاح مثل سيناء وتوشكي والصحراء الغربية, ويعطي محصولا لا يقل عن7 أطنان للهكتار من الأرز غير المبيض( الشعير) بعد أقل من7 أشهر من الزراعة, وبالتالي يستغرق وقتا أقل من الأرز الحالي, حيث يمكن أن تقل المدة عن6 أشهر, وتم إجراء التجربة في السعودية في صحراء الجوف بالسعودية ونجحت وأعطت7 أطنان كما كشفت التجارب الأولية, ولذلك سينجح في أي من الدول العربية.
هذا ما يقدمه أحد علماء مصر الجادين لبلده لكن لم يستفد أحد من الطفرات والأصناف المنتجة حتي الآن والتي استغرق انتاجها سنوات طويلة وفي حالة تلف بذورها وعدم الاستفادة منها سيتطلب سنوات أخري طويلة لإنتاج هذه الأصناف المدهشة.. فلمصلحة من عدم الاستفادة مما يقدمه العلماء لمصر؟!, هذا مع العلم أننا في حاجة لمثل هذه النوعية من الطفرات لاستزراع أراضينا الصحروية وزيادة الانتاج مع توافر المياه...