المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نثر إلى مراهق على أبواب العشرين...



طيف الحياة
09-11-2008, 02:55 PM
أي أخيّة، إنّي والله قد أيأسني حال أمةٍ تقلبت عليها نكبات الدهور فأسفرت بها وحمّت قضاءَها، فقادتها من حال السحيل إلى حال الإبرام، حتى أنه بدا لي في أعينها تطاير شرر وفاتها، وإنّ هذا الجرح قد اتسع بعد أن ظنّ مالكو (النون)* أنهم يطفئون نيراناً تلهبت واستعرت، فصار قيادها سهل المرام مباح الحرام، وقد اسودت لها الأيام.أي أخيّة، أما وقد قدّت رداءَها هذي الأمة، وصارت عن الدر وانية، فحَالَها لسانُها وركابها سهلة القياد كالجواد قليل الجياد، وقد شجاني بورها الصواب، وإقبالها على العتاب، وهجرها الكتاب، وحبها السراب، وقد سئمت تكاليف الروية حتى هترت أطرافها، ولانت أسيافها، فندبها أسلافها.

فخذ أخيّة باللّفاء من هذا القول، واترك الإهذار منه وتعقل.
إنّ بنات الدهر عطوفات حين احتدام القلوب، وإنّهنّ بخدشهن بالكلم غضوبات، وفي حال السلم لا يرتجى خيرهن ولا يهاب شرهن، واعلم أنك إذا عاتبتهنّ فقد عبتهن، وأنك إن مدحتهن فقد أرضيتهن، واعلم أن طريق الخلاص من هذا: العقل السليم، والحزم الكليم، وإيّاكَ أن تمت أمامهن بسهام لواحظ خدّاعة، ورماح رموش كذابة، وغمزات أعين سمّامة، ورعشات قلوب فتّّاكة.

أي أخية، إنّي والله أعرفهنّ مثلما أعرف نفسي، وقد عايشتهنّ بالغد والأمسِ، وإنّهنّ أغمض خلائق الله، تراهنّ يتنزّهن عن الجور وعن كل حركة شنيعة قبيحة، وقد لبسن خمارهنّ فسترن أنفسهن، فيروح كل من رآهن كأنّه أصيب بسهام العدا، حتى يظنّ أنهنّ ذوات ألباب ونهى، كيف لا وقد رآهن رقيقات الخليقة، ذوات نحول وصوت هديل؟

وا أسفاه عليه، لم يفكر حتى بالسؤال: كيف هي الأخلاق لأعرف خبايا الأحوال؟
أخي، لا تغترّ بهنّ، فقد صدق من قال فيهن أنهن يغوين كل حر، ويحفرن له القبر، فاعتبر يا أخي من ذاك الذي ساقه قلبه حتى علّقه في الحبال القاطعة، وجاء له بالقاضية، فوقعت وحقت عليه الواقعة!

اعلم يا أخي، أنه من قدر الله لقدر الله لا مفر؛ لذا اطلب الخيّر من التجارة، فإنك والله إن تخيرت أخيرهن فلا مال لك زائل، ولا عرض لك هالك، ولا نسب لك ذاهب.
واعلم أنه إن صبّت عليك ساعة من رخم، وتناسيت ما سبق من كلم، اعلم أنني لا ألومك، ولكن ألوم فؤادك الذي إن لم يلجم ذاته، وجب إلجامه، فلا توهبه لمن لا يستحقه، ولا تأمنه لمن لا يعرف محله، ولا تودعه عند من لا يشرفه.

وإن دهى بك دهاء الدهر، فعمي بصرك، وتحجر فؤادك، ولان صدرك، وهوى قلبك، فأصبت من سرادقهن، إذن فقد حق عليك ما كواك من استبرقهن، وقد نزلت منزلاً لا يعلمه إلا خالقهن، فيا أخي، يا أخي، لا تخالطهن ولا تخالقهن، فإنه لا خلاق لهن.

أخي، يا باذل المال، ويا باحثاً عن الآمال، ويا مريداً الربح من التجارة، ويا رائداً الخير والبشارة، اظفر بذات الخلف الساطع، وبذات العقل القاطع، اظفر بذات الدين اللامع، واعلم أخي أنه بعد فوات الأوان لا قبول للأعذار.

أخيّة، احفظ ثمر إخوانك، يحفظوا لك ثمرك، وتجنب سوء المحضر، تكن على قدر من الهيبة والتيسر، وحت عن صدرك فقاع الوهم، واجلِه بطيب الكلام، ولا تنتهك حرمة الغير، واعلم أن لك حرمة لها يوم.

واحفظ الله يحفظك ..
مالكو النون: شعراء وأدباء الغزل.