المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عُرسٌ في مقبرة



aouniat
26-08-2008, 01:17 PM
http://f.zira3a.net/my-files/1_11219745502.jpg


كان أحمد جالسا بمنأى من الناس و قد وضع يديه على جبينه ليداري بهما ألم رأسه الذي إشتدّ في منتصف الحفل. حقا إن هذا الرجل لا يعطي للفن قيمة، بل و يقول إنه "لم يجلب لنا إلا العار". و يتسائل أصدقائه إن كان يشملهم دائما بقوله "لنا"، و نهروه مرّة قائلين "لم يجلب الفن لأوروبا العار و إن قصور خلفاء كانت مرتعا للفن العربي الأصيل".

وارتعش قلبه عندما تسللت من الخارج نسمة هواء باردة و ترامى إلى مسمعه صوتٌ يُنشد "يا حبيبي، كلّ شيء بقضاء. ما بأيدينا خُلقنا تعساء. ربما تجمُعنا أقدارنا ذات يوم، بعد ما عزّ اللقاء. فإذا أنكر--" تذكر أحمد أن الحفل لا يزال قائما و شعر بالجمهور يموج بعضه ببعض و تعالت هتافات تهليل و تكبير و فقدت سيّدات وعيهنّ و وقف الرجال الباشوات يقولون "إسم الله عليكِ يا أم كلثوم!"

ضاق صدر أحمد. خرج ليأخذ فسحة من الهواء فرأى حارس الصالة جالسا يُنصت إلى ما تبثّه سمّاعة المذياع التي إلتصقت بأذنه. كانت أيام حرب و أخبار متضاربة تأتي من فلسطين، أرض المعركة. سلّم على الحارس و أشعل سيجارة و أخذ شهيقا عميقا. أثار فضوله الصوت الذي يصدر من المذياع. وجدت كلمات الأغاني منفذا إلى رأسه إذ تسرّبت كنسمة ربيع من خلف باب صالة الحفل. ضاق ذرعا بالحارس الذي إمتنع عن إبعاد المذياع عن أذنيه، فقال تبّا له! أسند ظهره على حائط مجاور و إستسلم للاشيء. إمتزجت في رأسه أصوات حسبها هذيان "و من الشوق رسولٌ بيننا، و نديمٌ قدّم الكأس لنا ... معارك ضارية .. و من الشوق رسول بيننا .. يا لخيبة أمل .. و نديم قدّم الكأس لنا .. بالسلاح جوي .. هل رأى .. المجازر .. سُكارى، أدت إلي هزيمة حاسمة--" وانقطع صوت المغنّية لمّا غرق الجمهور بالسُكر و راح يردد بصوت واحد أبيات من الشعر كأنما نزلت على قلب رجل واحد "هل رأى الحب سُكارى، سُكارى، مثلنا؟ هل رأى الحب سكارى، سكارى، مثلنا؟ كم بنينا من خيال--". واستوقفه فجأة مشهد الحارس تنهمر من عينية الدموع بغزارة. مذهولا كمن رأى شبح الموت وقف أحمد يحدّق إلى المذياع الذي تطايرت شظاياه في أرجاء المكان، و تسائل مُستغربا: مجنون؟!

ضرب سيجارته هو الآخر بعرض الحائط و مضى في سبيله تاركا الحفل بمن فيه، و حنجرة تغرّد من وراءه “و إذا أنكَرَ خلٌّ خِلّه و تلاقينا لقاء الغُرَبَاء … هل رأى الحبُّ سُكارى مثلنا؟”

Jamal_Abazid
26-08-2008, 02:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباحك بقطّر الحرب والسلام

عُرسٌ في مقبرة

جميل العنوان والأجمل الصورة . لو كان يُسمح لمقالة بدون عنوان لكانت الصورة تكفي .

الذاكرة مثقلّة يا صديقي والأيام دولٌ . أبن الأمس يعيش ظروف السنين الماضية بهذا اليوم .

أم كلثوم قالت بعد حفلتها : الحفلة القادمة ستكون في تل أبيب .

رد عليها أحد وزراء الحرب الصهيوني بالكلمة الواحدة والوائقة : لن تستطيع أقامة حفلتك حتى في القاهرة في المرة القادمة .
وصدق .

تشابك الأنغام مع المأساة في تسطيرك للألم جميل جداٌ أخي المناضل عوني .

ولا ننسى في تلك الأوقات كان الدين على الرفّ كما طلب محرروا القدس القادمين بجيوش من ( هل رأى الحب سكارى،)

والشيء بالشيء يذكر لا زالت خليفة السكارى هيفاء وهبي تصدح وتقوي العزيمة العربية برائعتها ( شوف الواوا ) .

لا اعرف ربما خرجت عن الفكرة يا صديقي ولكن .

خلّي السلاح صاحي .

أحتراماتي

جمال أبازيد .

مريم يوسف
26-08-2008, 02:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اتساءل يا ترى الى متى سيظل احمد فى منأى عن الناس وكانه غريب الاطوار وما يفعله الخطأ وما يفعله الاخرون الصواب ؟؟!!
والى متى سيظل ذلك الصراع ناشبا بداخله بين ما يريده وما يفرض عليه "و من الشوق رسولٌ بيننا، و نديمٌ قدّم الكأس لنا ... معارك ضارية .. و من الشوق رسول بيننا .. يا لخيبة أمل .. و نديم قدّم الكأس لنا .. بالسلاح جوي .. هل رأى .. المجازر .. سُكارى .. أدت إلي هزيمة حاسمة--" ؟؟!!
والى متى ستظل الصاعقه والمصيبه والطامه الكبرى هى التى توقظ عقولنا ؟؟!!
مسكين والله احمد ...
فى امان الله

منى الشريف
26-08-2008, 07:47 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للاسف احمد لم ينتبه الى ماهو اخطر حالا عندما قالت ام كلثوم فاذا ماانكر خل خله وتلاقينا لقاء الغرباء ومضى كل الى غايته
لم يدرك احمد ان اخاه سينكره يوما ويرميه على قارعة الطريق ليرضى اهل الحي بما فعله من قوة وعظمه ويتباهى بفعلته امام الناس ويرفع رأسه تكبرا

فعلا مسكين احمد بكل مارأى من غربة وخيانه وفقر .

ومشينا في طريق مظلم

aouniat
26-08-2008, 08:29 PM
أبن الأمس يعيش ظروف السنين الماضية بهذا اليومصدقت أخي جمال و لهذا إنتصرنا عام 1948 و لهذا لا زالت الإنتصارات تتوالى علينا يوما بعد يوم! البارحة فُتحت القدس مع إنطلاق صرخة "الواوا" و كل يوم ننعم بفتوحات جديدة، و أتسائل أي منها ستكون فاتحة العراق!


تشابك الأنغام مع المأساة في تسطيرك للألم جميل جداٌتلاميذك (بعجبك) :dwink:


وكانه غريب الاطوارهو رجل غير راض عن الذي يحدث، إنما فقط لأن الفن يجلب له وجع الرأس! إنه منعزل عن الحياة و ما يجري فيها، و ظن أن المذياع كُسر لأن الرجل حارس الصالة تأثر بالأغنية.


فعلا مسكين احمد بكل مارأى من غربة وخيانه وفقر .العجيب أنني لم أره مسكينا. سيكون لي الشرف بأن أتعرف على أحمد الذي تتكلمين عنه :)
في أمان الله ..

منى الشريف
26-08-2008, 09:20 PM
اخي عوني احيانا الكاتب عندما يكتب قصة او مقاله يقصد فيها شيء والقارى يفسر من خلال مفهومه وتحليله للاسطر التي كتبت حتى لولم تكن غاية الكاتب ان يصل الى هذا المفهوم انا رايت احمد هو الانسان المفكر بعمق وجدية في الاصلاح احمد الذي تمرض من صوت الموسيقى لو كانت موسيقى جادة ماكان سيعاني من الالم فالموسيقى الان هي نوع من انواع العلاج عندما تكون هادئة انا رايته انه يعيش في واقع صاخب رايته مختنق مما يرى راى نسمات هواء نقي اراد ان يسترجع قواه بهذه النسمات ترك مجتمع الباشاوات وماهم به من صخب وذهب الى الحارس الذي هو ابن البلد كسر مذياع لحزنه لما حصل شباب تحارب واناس يغمى عليهم من الطرب تناقضات واقع مؤلم . احمد الذي رأى ابن بلده المكان الامن الذي يبقى به ولكن لم يفكر بهذا المكان انه يوما سيطرد منه ويحل مكانه الباشا ويرحل احمد الى ارض بقضي بها حياته الباقية . هذا احمد الذي رايته من خلال سطورك

gamal amin amin
27-08-2008, 02:16 PM
السلام عليك اخى عونى وكل عام وانت واسرتك الكريمه وكل لبنان بخير وسلام
اعاده الله عليكم دائما باليمن والبركات
اخى الفاضل ان كلماتك
كأنما تؤذن فى مالطا
ان اليأس من البشر هو مدلول لقصتك
وأن كانت القوميه العربيه هى ما جمع الناس فى الامه فى عهد مضى
فما هو البديل لها الان
صديقى ان الضرب بالكلمات لمن كان عنده احاسيس ومشاعر
وازمتنا الحاليه اننا نضرب (بضم الضاد) وندعى اننا نملك المشاعر
على الاقل وحدتنا ام كلثوم على حبها
وسواء كان احمد او زيد او عبيد
فالكل يراقب فقط ليقول
نحن احياء ونشارك
وليس مهما فيما نشارك
ولك كل شكرى

aouniat
28-08-2008, 12:30 PM
ااخي عوني احيانا الكاتب عندما يكتب قصة او مقاله يقصد فيها شيء والقارى يفسر من خلال مفهومه وتحليله للاسطرأتفق معك أختي منى، وها هي الأخت مريم يوسف فهمت و عرفت أحمد بشكل مختلف.

قد تكون وجهة نظرك صحيحة، إذ أن المعلومات التوفرة عن أحمد في القصة غير كافية لبناء رؤية واضحة عن شخصيته، و هذا يجعل القرّاء يفهمون شخصيته بطرق مختلفة. أعتقد أنني يجب أن أسلط الضوء على أحمد بشكل أكبر و أذكر تفاصيل عنه حتى تتضح لنا شخصيته.

بأي حال، تبقى القضية الرئيسية في النص هي الفن و علاقته ببناء الثقافة. أشكرك أختي منى على توضيح رأيك الذي سأستعين به لإعادة بناء شخصية أحمد في القصة.


فما هو البديل لها الانكل عام و أنت بخير أستاذ جمال و بلغنا الله و إياك شهر رمضان، و تقبل الله منك و من صالح الأعمال. البديل برأيي هو فن هادف، بعيد عن ثقافة السُكر أو ثقافة الحب العبثي.


على الاقل وحدتنا ام كلثوم على حبهاأم كلثوم ضربت المثل بها، لكن هذا لا يعني أنني أكرهها. هل تدري أستاذ جمال أنني عندما كتبت هذه الخاطرة كنت أستمع إلى أغنيتها "الأطلال" التي إقتبست كلماتها؟ و ذلك ساعدني في تخيّل الموقف الذي سأكتب عنه.

ما أنتقده في الخاطرة هو - بشكل عام - الفن القائم على العبثيّة. ما دُمتَ من جيل أم كلثوم فأرجو أن تفيدنا بمعلومات عن تلك الحقبة. في أمان الله.

gamal amin amin
28-08-2008, 05:51 PM
اخى الحبيب عونى
نعم انا من هذا الجيل الذى عايش ام كلثوم وفيروز وفريد وعبد الحليم وغيرهم
وسأعطيك نبذات صغيره تستطيع ان تستشفها من احد حفلات ام كلثوم
انظر يا اخى الى نوعيه الجالسين فى المسرح
الرجل يرتدى البذله والكرافته وحالق ذقنه ويرنو بنظره حالمه الى الست وهى تلقى اغنيتها على المسرح لا تسمع دبيب النمله الا من حين الى حين فى مقطع ما تسمع كلمه الله طويله وعميقه ومن القلب
وتجلس بجواره زوجته ترتدى فستان سواريه للسهره وتتلحف بالفرير على صدرها وتشارك الست اهاتها مستمتعه بكل كلمه وحرف يخرج من شفتى الست
هؤلاء الناس من البشر هم الطبقه المندثره من المصريين وهى الطبقه المتوسطه والتى كانت تحوى اكثر من 60 % من الناس
وهو عهد تهاجمه الان القوى الرأسماليه وكأن الاشتراكيه كانت عيب
على الاقل الاشتراكيه ساوت بين الناس وامتعتهم بالمتوفر حين ذاك
انظر يا اخى على مدى الاحترام المتبادل بين الناس فى ذلك الوقت ومدى التعاون بينهم على مستوى الحاره والشارع والمنطقه والبلد كلها
اكيد انت قرأت ل نجيب محفوظ وهو يروى احداث البسطاء فى الحاره ومدى التغير الذى حدث الان
والانتماء يا اخى كانت مصر فوق الجميع وليست قوميه مصريه ولكنها من القلب حقيقه
كنا نحب يوم خطاب عبد الناصر كما كنا نحب يوم ام كلثوم
فكان الاثنين غذاء للروح والعقل ليس للمصريين فقط ولكن لكل العرب فأصبحت قوميه عربيه وحلم لكل الشعوب فى التحرر
ولك كل شكرى

منى الشريف
31-08-2008, 04:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رمضان كريم

اخي عوني انا عندما كونت شخصية من مفهومي ليس لان النص غير جيد لا اطلاقا . انا لي صديقة طالبة دكتوراه في التحليل النقدي في يوم اتتني باستشارة زراعية كانت تسالني هل الزيتون فيه اصناف عقيمة تفاجئت قلت لها ومادخل النقد بالزراعه قالت هناك حقائق علمية يجب ان نستند عليها بالتحليل النقدي والتفسير هنا كاتب قد شيه نفسة بشجرة الزيتون العقيمة اذا كان كلامه صحيح علميا سيكون تحليل النقدي يختلف عما اذا كان كلامه مجرد تشبيه . وقد ناقشتها بمشهد احمد اكدت لي ان النص عندما يحتوي على غموض بدرجة قويه بحيث كل قارى يفسر بما يريد ان يرى احمد عليه سيقول هذا الكاتب ابدع في توصيل حقيقة احمد بدرجة عاليه من الدقة واذا وضحت صورة احمد ستكون عبارة عن كلمات مسلسلة ولا يوجد بها اي شيء من التفكير والتحليل وسيتعرض الى انتقادات في كتاباته اما الغموض لا سيكون اقوى لان هنا كل ناقد سيحلل بمفهومه وهنا لاتتوافق اراء النقاد في اتجاه واحد وهذه هي رصانة الموضوع وهذه نظريات الحديثة في كتابة النص التي تعتمد على نظرة المتلقي في التحليل . وهذه امانة اردت ان اوصلها لك كي لاتغير اسلوب النص الذي انت اجدت به وهو المطلوب حاليا . تمنياتي لك بالتوفيق

aouniat
03-09-2008, 07:47 AM
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته، إن شاء الله علينا و عليكم.

شكرا لك أستاذ جمال لأنك أطلعتنا على ماض قريب قد خلت معالمه من حاضرنا. إننا الآن نعيش حاضرا إختلف كليا عن ذلك الماضي. بالنسبة لفتى مثلي من جيل القرن الحادي و العشرين، فإن كل الشعارات التي رُفعت في الماضي القريب لا تعني لي شيئا. إنها مجرد أغاني قديمة -قد تكون جميلة- إنما أصبحت غريبة بالمقارنة مع نغمات اليوم.

القومية العربية و الإشتراكية لم تعد من الشعارات التي يتغنّى بها الشارع العربي حاليا. لا أدري إن كنت توافقني الرأي.


وهذه امانة اردت ان اوصلها لكشكرا لك د. منى على إيصال الأمانة الغالية. اللطيف أنني بعدما قرأت لك ردك الأول أصبحت أنا الحائر الذي يحاول فهم شخصية أحمد الغامضة :)

غالبا ما يفهم الكاتب شخصياته الأدبية فهما تفصيليا لا يستطيع القراء إدراكه، إنما مشكلتي مع أحمد أنني تحدّثت عنه و لم أفهمه كما يجب، و لهذا لم أعرف كيف أرد على وجهات النظر المتناقدة حياله. و رغم أنني تعمّدت أن أمزج في شخصيته عدة خواص، فإنني خرجت في النهاية بشخصية لم أستطع أن أضعها في إطار معين تكون معالمه واضحة.

أحمد بالنسبة لي كالميّت، لا هو إيجابي و لا سلبي، لا هو صاحب قضية و لا صاحب دجاجة. لهذا لست أدري في أي خانة أصنفه و من أي منظور أحكم عليه. إنها المرة الأولى التي أصور فيها أشخاصيا ميّتين في كتاباتي. و لهذا حاولت أن أعتمد على تعليقاتكم لربما تجعلني أفهم أحمد بشكل أعمق. هذا غريب - نعم :rolleyes:

هذا و أتفق معك في كل ما ذكرتيه - أو بالأحرى - ما ذكرتهُ زميلتك التي يبدو عليها الإجتهاد. معكِ حق أن تتفاجئي فالنقد الأدبي بحر عميق، إنما جميل الغوص فيه. في مثل هذا الوقت يكون فنجان القهوة الساخنة حاضرا. كنت سأفكر في دعوة الأخ جمال أبازيد - ملك القهوة الصباحية - ليعطينا رأيه بالموضوع. هل نؤجل الدعوة لبعد رمضان؟

منى الشريف
05-09-2008, 02:20 AM
سلام اخي عوني
نعم نؤجل الدعوة بعد رمضان ان شاء الله لاني اطلعت على اشياء جميله في التحليل النقدي وسنناقشها ربما تكون معلومه بسيطة تضاف الى معلوماتنا البسيطة التي نمتلكها . لان الاخ جمال ابا زيد سيكون مشغول جدا في رمضان حسب اعتقادي بين الفطور وصلاة التراويح تقبل الله صومه وصومنا اجمعين