المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنازة من نوع آخر



aouniat
10-02-2007, 12:46 AM
كنت أمشي في إحدى ليالي صيف لبنان - التي خجل فيها القمر أن يطلع - على الطريق في القرية التي أسكن فيها .. كنت وحيدا .. وفي صدري شيىء من الحزن على أمر لم أعرفه. فإذا بي ألمح رجلين عجوزين يمشيان و على كتفهما صندوق طويل ... فإقتربت بالفانوس الذي أحمله. تابوت؟؟. تعجبت من المشهد. إقتربت منهما فإذا بهما يردّدان "الله يرحمها".


"عوافي .. العوادة بسلامتكم .. خليني إحمل معكم"
قال أحدهما: "الله يسلّمك"
قلت في نفسي "ما أقساهم الناس .."
.. وجدت أن التابوت خفيف جدا (غريب !!)

- "أديش مبدئيا عمرا يا حاج ؟ "

أجاب: "المبادىء يا إبني أهم شي بالحياة .. إسقيها بتعيش .. تركها بتموت".

- "لأ يا حاج .. أنا عم بسأل عن عمرا" .. وشددت على كلمة "عمرا".

قال: "أكبر مني ومنك ومن كل الناس"

ظننت أن كبر السن قد أثر على إستيعابه, فلم أكرر السؤال بعدها. ثم سكتّ شاعرا هيبة المشهد الذي أنا فيه ..

وصلنا إلى المقبرة وكنت طوال الطريق ساكتا و محتارا بين أن أفكر بالتابوت الخفيف الذي نحمله وبين أن أفكر في الأجوبة التي سمعتها. وضعنا النعش على الأرض و إقترحت أن أحفر الأرض كي لا أتعبهما. فقالو "لا لن نحفر .. سنترك التابوت هكذا على الأرض"..

- شوووووو ؟!! بس يا حاج ---

فإذا بهما يديران إليّ ظهرهما ويتلاشيان بين الأشجار.

بدأ "الفار يلعب في عبّي" .. وشكيت في أن في الأمر جريمة قتل أو ما شابه ذلك. تلبّكت ولم أعرف ماذا أفعل.

مر الوقت بسرعة و أنا جالس في المقبرة عاجر عن التفكير في أي شيىء غير الذي حدث. ثم شعرت وكأن الوقت مضى بسرعة دون أن أشعر - أين أنا ؟ في مقبرة ؟ وفي الليل ؟ ولوحدي ؟ .. نظرت إلى التابوت .. فخطر في بالي أن أفتحه .. لعلّي ...

إقتربت منه ورفعت الغطاء ... "يا الله !!"

- ما هذا !! .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..

- ما هذا ؟!! هل هذه لعبة ؟؟ ... "الملاعين!!" ... أين الجثة ؟؟!!

هنا وفي تلك اللحظة فقدت جنوني - أقصد عقلي - وراح قلبي "ينطح" صدري وبدأت حروف كلماتي تدخلفيبعضها ...

ثم قرّبت الفانوس من فتحة التابوت لكي أتأكد ... فإذا بها حروف محفورة داخل التابوت ظننتها في البداية آيات من القرآن الكريم. دققت فيها جيدا وحاولت أن أقرأها ...

"الم" .. "با" .. "ذ" - آسف -"د" .. "ىء"
إنا لله وإنا إليه راجعون.

shereen
22-02-2007, 01:45 AM
Here is a English translation of the article. I called it "A Funeral of Another Sort". I provide it for the members of this forum. Please download it from the attachments. Enjoy !!

abdullah2010
22-02-2007, 10:12 AM
جزيت خيرا ... جميلة جدا هذه القصة ...

ethylene
22-02-2007, 02:24 PM
إنا لله و إنا إليه راجعون

و لكن أنا لم أفهم نهاية القصة؟ ماذا كان يوجد في التابوت؟

مسارات
22-02-2007, 11:12 PM
ماتت المبادئ و القيم في زمنٍ تجسد بالإسقاطات ..
و لكن سيبقى منّا بقية

aouniat
22-02-2007, 11:48 PM
السلام عليكم. فرحت كثيرا بهذه الردود وأبدأ بتجديد الشكر للأخت شيرين في ما يخص الترجمة والنصائح والدعم المعنوي عند وبعد كتابة المقال. ولو كان هناك شيىء يمكنني ان أقوم به غير الدعاء لمكافئتك فأنا حاضر.

أخي عبد الله .. شكر على المرور الجميل. إضافتك وإن كانت قصيرة ولكنها تعني لي الكثير. ما قصرت يا صديقي.

أما الاخت إيثلين فأنا معك .. المقال يحتاج إلى تركيز شديد لفهمه. كل ما كان موجود في التابوت هو كلمة "المبادىء" .. وبإختصار .. الرجلين العجوزين كانوا ذاهبين لدفن المبادىء .. وهذا إن دل على شيىء فهو إنتقاد لواقعنا هذه الايام.

وأجدد شكري للأخ مسارات وأكرر لك أني تلميذك وحضرتك كاتب عريق لك كتابات جميلة في التاريخ إستفدت منها كثيرا.

جاردنيا
08-03-2007, 08:15 PM
السلام عليكم

متاخرة ...اعذروني

نعم في زمن الاسقاطات ..اختفت المباديء والقيم ..وطغت المادة والانانية والمصالح الشخصية.. ماتت المبادىء ..ومن حزن عليها واهتم بها العجوزين ...
لكنها لم تدفن بعد ..هناك امل ..

يسلمو ايدك اخي عوني

aouniat
08-03-2007, 09:05 PM
أختي العزيزة,

مشاركاتك دائما تبعث الأمل فينا. أعجبتني ملاحظتك أن الأمل لم يُدفن بعد .. شكرا على اللفتة الذكية. وهذا شيىء لم أنتبه له في القصة. أنا لم أقصد أن أبقيه غير مدفون في القصة ولكن سبحان الله هذا شيىء جيد يمكن إضافته للأفكار التي يطرحها المقال. لذلك يمكننا ان نضيف هذه الصرخة إلى القصة "يا شباب .. الأمل لم يُدفن بعد". إضافة إلى ذلك هناك لفتة أخرى أشكرك عليها وهي: من الذي إهتم لأمر المبادىء ؟ .. جوابك صحيح, فالعجوزين هم الذين كانوا يدفنون المبادىء .. وبشكل عام, من يتواجد عند دفن شخص ما؟ .. أحباءه. فغياب عنصر الشباب عند الدفن هو إنتقاد لهم وهو سؤال غير مباشر لهم: أين أنتم من المبادىء؟

أخيرا أقول: إن لم يكن الأمل مدفونا, فهو الآن في المقبرة, ويحتاج إلى أناس أمثالك أختي جاردينا لكي نعيده إلى مكانه الأصلي. جعلنا الله وإياك ممن سيكون لهم مساهمة كبيرة في إحياء الامة العربية والإسلامية.
:sadwalk:

جاردنيا
09-03-2007, 04:24 PM
هي لم تدفن ..تركوها العجوزين معك ايها الشاب .لولا اخلاقك .. ما عاونتهم على حمله ..لكنهم رأو فيك الامل ..ولذلك ذهبوا وتركوها معك ..ولك الخيار ...

قصة فيها مغزى ..

انا ذهبت المباديء عاش الانسان بلا روح في دنيا الغاب ...

واخيرا لا اظن ايها الشاب انك ستدفنها ..

يسلمو اخي عوني

aouniat
22-03-2007, 12:03 AM
أختي جاردنيا شكرا على ردك جميل ... نحنا بالنهاية تلاميذك ...

أختي جاردينيا: أهديكِ هذه التكملة للمقال .. لأنك ألهمتيني فيه ..وكلامك صحيح .. لا يجب أن ينتهي المقال بما يدعو إلى اليأس.لذلك أحب أن أضيف الجمل التالية على نهاية المقال (بعد جملة إنا لله وإنا إليه راجعون):

فحملت التابوت على كتفي ...
ورحت أجول الشوارع ..
رافضا أن يدفنه أحد ..
منهم من صفق لي وحمله معي ..
ومنهم من شتمني لأنه يؤمن بثقافة الموت ..
ومع الأيام إكتشفت أن الرجل العجوز لم يكن "يخرّف" عندما قال لي: "إسقيها بتعيش .. إتركها بتموت" ...
الحمد لله الماء متوفر ..

دعاء
27-03-2007, 09:59 PM
لاتعليق لدى سوى ماشاء الله عليك
انت قدوه حسنه وافكارك جدا جميله ياأخي عوني
اتمنى ان تكون معيشتك تطابق افكارك
وانت تجد من يطبق هذه الافكار معك
وانا متاكده ان اغلب الاعضاء هنا يهنئوك ويودون لو انهم يغيرو من الحياه الى الافضل

Nizar al Wahidi
28-03-2007, 09:01 AM
الله يسامحك يا شيخ عوني
المباديء ما بتموت.
لكن لأنها تقف في البداية نتركها خلفنا
لذا تحتاج منا إلى العودة قليلا إلى الوراء
تحياتي

aouniat
30-03-2007, 02:31 PM
أعذرني أخي نزار أنا لم أقصد إماتة المبادىء .. ما كنت عارف إنو حضرتك موجود ... معقول المبادىء بتموت بوجود حضرتك ؟؟ !!
:grin:

أنا أضفت نهاية على المقال في إحدى المشاركات في الأعلى ممكن تراجعها ...
في أمان الله.

الربيع القادم
31-03-2007, 09:09 PM
قصة رائعة في زمن ٍ لم تعد تؤخذ الحقوق فيه إلا بالقوة ...

shaheen
01-04-2007, 03:17 AM
اخى العزيزه:
المبادئ لم تموت " ولكنها قتلت ! قتلها عبيد الماده و السلطه000

خالد خليل
02-04-2007, 04:36 PM
ما شاء الله عليك يا اخي

بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير

كلام جميل وشاعري

سيف الله
06-04-2007, 04:00 AM
رحلت كما رحل كل ما هو مثلها ....

قصة قصيرة جميلة وذات بعد فلسفى ...

خالص تحياتى ....

حمادة
15-04-2007, 08:24 PM
أهنئك أخى عونى واشكرك أخى شاهين المبادئ لاتاموت ولاتضيع وانما قتلها الطمع والمادة
ولكن لن نسكت على ذلك فنحن من سنحيها بأمر الله فأنا معك اخى عونى سنعيد المبادئ للحياة انا وانت وكل صاحب رأى حر وفكر هادف
وأتمنى المزيد منك أخى عونى أخيرا لك جزيل الشكر
أخوك أحمد

رشا حسن علوان
16-04-2007, 11:35 AM
ماشاء الله عليك أخ عوني

انت مثال للأنسان صاحب المبادىء
وتعرف من خلال حديثي معك عززت كثير مبادىء وقيم كنت على وشك فقدها
ولو اني تأخرت بقراءة الموضوع والرد
ولكن أكيد المبادىء حية لاتموت الا لمن رغب بموتها وبالتالي بتموت بنفسه فقط
وليس نفوس الأخرين .
تحياتي لك
:)

rosa damascena
15-07-2009, 08:35 PM
المقال بتاريخ 2007 و نحن الان 2009
يا جماعة احس أنها قرون بين سنة و اخرى لأنه لاتزال المبادىء تحمل بجنائز و بعضهم يرميها بدون حتى دفنها , يتركها تعفن و تفسد و هي فعلا بدأت بالتاّكل و التحلل في هذا الزمان إلا من استعان بالله .
و دائما يبقى هناك نافذة صغيرة من الأمل ...هي عزائنا الوحيد .

http://www.alhnuf.com/up/pics-gif/upload/uploads/images/a-58e5fdad42.gif