المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لفائف ذكريات طريّة ... أشعلها الآن



aouniat
05-11-2007, 04:04 PM
قبل أن أصغي إلى نفسي: وأنا جالس على كرسيي أمام حاسوبي المغفّل إشتعل في صدري حنين إلى ماض قريب أردت مرارا أن أنشره في صحيفة لساني. عدت بذاكرتي إلى الماضي متحسرا على ما فات وإندثر تحت الغبار. تراءى لي مشهد نيرون وهو ينظر إلى مدينته روما تحترق على مرأى من عينيه. لم أستطع ان أقاوم الشعور فإنتشلت من جعبتي لفائف من ذلك الماضي الذي لم ييبس بعد .. وأشعلتها ..

في البداية كانت الحياة ... ثم جاء الموت على جواد أبيض ...

من وسط (بيروت) في ليلة وضع القدر يده على عنقها فسكنت سكون الموتى, إرتفع صوت شجيّ من الداخل. كلمات مُحكمة, ليست بشعر, تُغمض عينيك فتفتحها بعد 309 سنين لترى أنك لازلت مكانك. لكنك لست في كهف, بل داخل مسجد عتيق تروي أحجاره تاريخا لم يُكتب. نظرت إلى ساعة يدي وكان الصبح قد إقترب بسرعة والأبصار قد سُكّرت. إمتزج صوت الصمت بكلمات من القرآن الكريم, زاد من طهارتها مطر نزل غفلة من السماء, فإهتزت الأرض. إشتد المطر. كلما إشتد المطر خمدت جثث المصلين الذين خضعت أعناقهم لآيات الله. ثم إشتد أكثر فأكثر حتى تحلّلت الآيات في الماء فشربتها الأرواح وإمتصتها الأجساد الترابية.

الحياة قد أطلّت من جديد ...

مرت الأيام وعاد فصل رمضان حاملا معه ليلة قدر جديدة. أما اللقاء فكان هذه المرة حارا و من منطقة (صيدا). الآن المكان مختلف والصوت مختلف لكن الكلمات نفسها. لم يكن هناك أمل حتى آخر لحظة أن تمطر السماء, فلم تمطر. نظرت إلى الساعة يائسا متسائلا: أليس الصبح بقريب؟ تالله لقد إختفى تأثير الآيات. شعرت أنني قطعة لحم مقدّدة ملقاة في مغارة وقد مضى عليها 3 أشهر ... فإنتظرت حتى يأتي الله بأمره. فإذا بصوت إمام يأتي من الصف الأمامي! فهبّ مناجيا داعيا حامدا شاكرا. راح صوته يعلوا ويعلوا حتى كادت تنسلخ أرواحنا عنّا وهو يصيح "يا الله". ترى الصوت يقصف كالرعد ينزل على جسدك المتعفّن بأقصى قواه جالدا إياك, يقول لك "ذُق". ما هي إلا دقائق حتى بات جسدي كالحلث البالي وها هي أنهار من الدم الأسود العَكِر تتدفق من فمي وأنفي حتى بدى وجهي ككوكب متشقّق. فقدت الشعور بالألم. إتسع محيط عيناي كثيرا فابتسمت منتظرا شيئا ما أعرف مسبقا أنه سيحدث .. بل كنت أنتظر قدومه يوما ما. إنه زلزال داخلي ضرب شبكة العين إستطاع بدويّ إنفجاره أن يزيح كل عضلة صغيرة وكبيرة في جسمي من مكانها. أنظروا إلى الدمع كيف يتدفق في عروقي الآن آخذا معه الزبد المتراكم الذي خنق شراييني. أنظروا إليه كيف صار ينابيع وأنهار تجري من تحتنا. ينابيع وأنهار طافت على جميع من في المسجد فأغرقتنا جميعا, وانظروا إلى الملائكة تملىء الهواء الذي بدأ يرتجف. لعمري كيف تحول ذلك الهواء إلى حيوان مفترس قذف بي إلى دوامة ذلك الطوفان. أتخبط فيه في موج كالجبال, أحاول أن أتنشق النفس الأخير وأستعيد شريط حياة ممزّق. كل شيىء كان يتضعضع وكنت على شفا حفرة من السقوط, فسقطت! شعرت أن العامود الفقري, الذي أبى إلا أن يتفرعن طيلة مسيرة حياتي -- ها هو أنظروا إليه ينحني ويسقط على الأرض متناثرا, خاشعا, كجبل متصدّع رأى الله جهرة. إستقيظت من غفلتي لكي أراني ألبس لباسا غير الذي كنت ألبسه قد تركت التقوى بصماتها عليه. إنه شعور - لو كان لونا لقلت فوق البنفسجي - تنقطع صلة الوصل فيه بين عينيك وفمك, فترى عيناك تريد البكاء فتبكي, والدمع الذي يتساقط خوفا وطمعا يرتطم بثغرك الضاحك, وكلما إلتقى الضحك بالدمع, تنبعث قشعريرة في أحشاء بدنك, تنقلك إلى عالم الأمان و تضعك في مرتبة الزّهد.

وها هي الحياة قد أطلّت علينا ... مرة أخرى! ...

هاشم
05-11-2007, 05:01 PM
رائععععععععععععععععععع بل اكثر من رائع
ذلك الشعور ................................
بالخضوع والانقياد لامر الله
لا اله الا الله له الحمد وله الشكر يحيي ويميت وهو على كل شيئ قدير

مشكوووووووووررررررررررر اخي

Best Regard

Hashem Abu-Rumman

aouniat
06-11-2007, 05:17 PM
شكرا لك أخي هاشم وفعلا أصبت إنه أجمل إحساس. ما كان رأيك بالأسلوب الأدبي للخاطرة؟
:grin:

taybon
06-11-2007, 08:36 PM
السلام عليكم
انه شئ غريب حينما يضيع الشخص بينه وبين نفسه تغلق كل الابواب في وجهه حتي يصبح لا يعرف نفسه ويداء الصراع والجمود في نفس الوقت يفقد كل المشاعر التي تادي به الى الباب الصحيح كي يدقه الانه لا يحمل النور الذي يقوده في الضلمات الى الباب الصحيح كانه في غرفة مضلمة يصحو من النومه على ضرخ نفسه وكانه قد راء حلم مزعج لا يجد الا باب الغرفة مغلق ويفتحه كي ينجو من نفسه الى ربه
شكرا لاخي عوني نرجو منك المزيد

هاشم
07-11-2007, 12:57 PM
شكرا لك أخي هاشم وفعلا أصبت إنه أجمل إحساس. ما كان رأيك بالأسلوب الأدبي للخاطرة؟
:grin:

اسلوب رائع ومعبر جدا لدرجة انك تعيش الموقف بكل ما فيه
اشكرك مرة اخرى ولدي طلب ان تزودنا دائما بمثل هذة الخواطر الرائعة

Best Regard

Hashem Abu-Rumman

aouniat
09-11-2007, 04:05 PM
أشكرك أخي taybon على كلامك المؤثر. فعلا وصفك دقيق وهذا ما يحدث دائما. أخي هشام أشكرك على المرور مرة أخرى بجانب حائط ذاكرتي وأتمنى أن أسمع المزيد من الرواد الآخرين.
:dwink:

شيبو
09-11-2007, 04:24 PM
رائع أخي عوني ربنا معاك

م/ طارق أنور
09-11-2007, 04:28 PM
رائع أخي الفاضل ..... كلمات مؤثرة ... ووصف رائع ودقيق للحظات لا توصف ...


وها هي الحياة قد أطلت علينا ... مرة أخرى ! ... :)

حمادة
13-11-2007, 01:27 PM
أسلوبك رائع أخى عونى وكما تعودنا منك دائما أن نتعايش معك ونذوب وسط هذا البحر ولا
نخرج منه إلابعد أن ينتهى هذا السيل من الكلمات التى تعزف على أوتار قلوبنا
ولكن حين ننجو من هذا البحر نتمنى أن نغرق فيه مرة ومرة ومرة وألف ألف مرة وياليت هذا السيل لاينقطع ويليت هذا البحر لاينتهى
أرجو منك أخى عونى أن تمتعنا دائما بهذه الكلمات العذبة .....
لا أعرف كيف أشكرك على تلك الدرر لأنى لاأمتلك موهبة العزف على أوتار اللغة كما تفعل أخى عونى ولكن على أى حال جزاك الله خيرا على هذه الدرر
أخوك أحمد

waleed
22-04-2008, 02:32 PM
ما هذا التعبير الرآئع
و ما هذا السحر الأخاذ
و ما تلك الشفافية المتعمقة
حقا أخي عوني لقد أبحرت بنا حتى تمنينا الا نر ى الشاطئ
أسأل الله لك مزيدا" من التقدم
و مزيدا" الإبداع
و مزيدا" من الخواطر

gamal amin amin
22-04-2008, 03:19 PM
اخى العزيز عونى
اتمنى من الله عز وجل ان يكون ما كتبت مجرد خواطر ادبيه وانت تمتلك تلك الموهبه .
ف الذكريات الاليمه مهما كانت علينا ان ننساها حتى تستمر الحياه ..وان غدا افضل من امس هكذا وبكل قناعه وثقه فى الله..والتجارب المريره القديمه قد تترك اثرا ... البعض منا قد ينسى تلك التجارب وقد ينجح فى ان يتعداها بل عليه ان يتعداها ويستفيد منها.. لانها لو عاشت معه فالفشل سيكون النتيجه الاكيده
والبعض منا يتعايش معها وتلازمه فيتحول الى كهل وهو فى ريعان الشباب..
ولك كل حبى واحترامى
كلما زادت المصائب عرف الرجال( حكمه)

aouniat
23-04-2008, 01:18 AM
وها هي الحياة قد أطلت علينا ... مرة أخرى ! ... :) السلام عليكم. الشكر لكل من قرأ الخاطرة و شاركني فيها الشعور بالسعادة التي تصاحب حلول ليلة القدر. لقد باتت الليلة التي أنتظرها من عام إلى عام. أسأل الله أن يبلغنا إياها رمضان المقبل. و هذه المرة إن شاء الله سأسعى لنقل ما يدور فيها بالصوت و الصورة.

نصيحتك أستاذ جمال "على عيني و راصي" و سآخذ بها لأنها نابعة من نتائج خبرة طويلة لك مع مشاغل الحياة.

ندوة
23-04-2008, 03:43 PM
سيل من الكلمات كالبحر الهائج والدعاء يعلو ويعلو ..........يهدأ الموج ويستريح البحر وتخرج من بين الغيوم الشمس مبتسمة فقد صحى من كان يدعو الله على كلمات الفرج .......اخي عوني ابدعت ..الله يبارك فيك.

aouniat
24-04-2008, 03:02 AM
تعليقك على الموضوع أختي ندوة أضاف له الكثير ..


يهدأ الموج ويستريح البحر وتخرج من بين الغيوم الشمس مبتسمة فقد صحى من كان يدعو الله على كلمات الفرج
هذا بالفعل ما يحدث بعد قيام ليلة القدر ..
وفقك الله و أهل العراق جميعا لما فيه الخير لبلدكم ..
في أمان الله
:thanks: