المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيد مرزوء أبو السيجار



aouniat
03-09-2007, 08:39 PM
السلام عليكم. أذكر أن القصة التالية كانت أول محاولة لي للكتابة (أواخر 2005) حيث قمت بترجمة القصة التالية هيكليا مع إضافة الكثير من "البهارات" عليها.

... أسكن في منطقة تقع في شمالي لبنان. يقع منزلي الجميل الذي ورثته من أجدادي و آبائي وسط الساحات الخضراء الشاسعة. تعد المنطقة التي أسكن فيها من المناطق الأثرية. فيها القلاع الآشورية و الفينيقية. و لحسن الحظ تم إكتشاف مقبرة رومانية تحت منزلي قبل مئتي عام وهي الآن ملاذي الوحيد.

... كنت أنزل دائما إلى المقبرة في الساعات القليلة من الليل. كان هناك شيئ غامض فيها يبعث في نفسي البهجة و السرور والطمأنينة. وبما أنني كنت أمضي فيها وقتي, قمت بالإستفادة من المساحة المتوافرة هناك لكي أخزّن بضاعتي.

أهل لبنان يحبون الفخفخات. مرت فترة عصفت فيها موجة رواج السيجار حيث كان الباشوات يتباهون بإمتلاك أجودها. إنتهز الناس الفرصة عندها وأصبح كثير منهم من أكبر تجار السيجار ومن هؤلاء صاحبي وجاري "مرزوء" الذي تجمعني به علاقة وطيدة. تعلمت تلك التجارة منه ثم إحترفتها. كنا نأتي ببضاعتنا من كوبا. لكنني في الأونة الأخيرة لاحطت تغيرات فيه. تصرفاته الإستفزازية جعلتني أنقم عليهّ. قام بإهانتي مرات عديدة أمام الناس وتحملت ذلك, و ظللت أضحك في وجهه, لكن هذا لم يطفىء نار الغضب في داخلي.

في إحدى ليالي الصيف التي كان يحتفل فيها أهل القرية بالتراث اللبناني, كان الجميع يحضر الحفلة بزيّ تراثي عتيق. و بينما أنا تائه بين الجمع, إذا بي أشاهد صديقي "مرزوء" واقفا لوحده. كان يلبس قبعة قديمة تعود لأيام العثمانيين. كانت ثيابه ملوّنة, و كان سرواله أبيض, و كانت جزمته سوداء طويلة معلّق عليها بعض الأجراس التي يطرب رنينها الآذان ... وقفت معه قليلا و دار بيننا حديث.

بدأت حديثي قائلا: كيف حالك يا صديقي العزيز؟
قال مرزوء: أنا بخير
قلت: تبدو مرهقا
قال: لا, مجرد إرهاق. أشعر بالدوار لأنني دخّنت ما يعادل عشرة سواجير كوبية.
قلت له: ياه !! ... كنت أود أن أستشيرك بخصوص السيجار الذي هداني إياه أحد أكبر التجار الكوبيين, يقول أنه لا مثيل له, وقد يُباع بسعر خيالي جدا لأحد الملوك. أراك منهكا ومرهقا. سأذهب و أستشير به زميلي "سليم".
قال مرزوء: لا لا, ليس هناك من مشكلة, لست منهكا. أستطيع أن أساعدك.
قلت: لا, لابأس, فأنت تبدوا مريضا و الأجدر أن تذهب و ترتاح.
قال: قلت لك أنا بخير زميلك سليم لا يفقه شيئا عن جودة السيجار.
قلت: فإذن هيا نذهب إلى القبو لأريك السيجار.

ذهبنا إلى هناك و كان صوت أجراس ذلك الحذاء الخبيث لا تكف عن الطنين طوال الطريق. نزلنا إلى القبو و حملنا مشعلين للإنارة, و رحنا نمشي. كان يخيم على القبو سكون عمق يكسره صوت السعال الذي كان يعتري مرزوء.

قلت له بعد أن قطعنا مسافة طويلة: دعنا نعود أدراجنا .. يبدو أنك متعب.
قال: لا لا أنا بخير, سأدخن سيجارا واحد فقط ربما أرتاح.
قلت: أتستطيع أن تتحمل تأثير السيجار عليك؟
قال ضاحكا: لا بأس, فأنا تأثرت به للتو.

رحنا نمشي و ننزل تحت الأرض حتى وصلنا إلى المكان الذي يقع تحت منزلي بالضبط. كان المكان واسعا, تتبعثر فيه العظام, و يخيم عليه الضباب من جراء الرطوبة العالية. كان هناك كومة من العظام في زاوية المكان و كان إلى جانبها فجوة كبيرة في الحائط تمتد إلى أسفل المقبرة. كان صوت سعال مرزوء لا يقف. بدأت أفقد أعصابي.

أين أنت؟

قلت: أنا بجانبك.
قال: و هل يدفن هنا أحد من أفراد عائلتك؟
قلت: نعم, أجدادي جميعهم دُفنوا هنا. هذا قبرهم.
قال: و ما هذا الذي هو مكتوب على قبرهم؟
قلت: هذا لقبهم. ألا تعرف أن لقب عائلتي هو: "العين بالوجه و السن بالجسد".

... راح يدمدم .. و كأنه أعجب بما قلته آنفا, أو ربما لأن حاله بدأت تزداد سوءا .. بدأت أشعر بقشعريرة في جسدي.

... مشينا إلى تلك الفتحة الواقعة في زاوية المقبرة. كلما مشينا كان نور المشعل يخف شيئا فشيئا. دخل مرزوء في الفجوة, فأخذت بيده حتى وصلنا إلى الحائط - الذي كان كثير الفجوات. علّقت يد صديقي بإحدى الفجوات, و قلت له قف مكانك حتى آتي بالسيجار. ذهبت إلى كومة العظام خارج الفجوة, و إنتشلت من تحتها المالج و ألواح الحجارة و كومة من الطين. رحت أصفّ الحجارة على باب الفجوة و أضع فوقها الطين, ثم أسوّيها بالمالج. ناداني مرزوء, قلت له: هل أنت بخير؟ ... فلم أسمع منه جوابا. رحت أصف الحجارة فوق بعضها حتى وصل الصف مقابل صدري. سمعت صوت خربشة من الداخل, لكنني رحت أكمل عملي حتى بقي حجر واحد.

نادى مرزوء: هل هذا أنت؟
قلت: نعم هذا أنا.

ضحك ثم سكت. ثم راح يضحك مجددا مما جعلني أضحك أنا أيضا بصوت أعلى منه. ثم كلما إرتفع صوته أرفع أنا صوتي حتى بات القبو وكأنه مسكون بالأشباح. إختفى الصوت لوهلة. خفت على صديقي, ناديته فلم يرد ولكن الأجراس كانت تطنتطن. ثم قال فجأة بصوت خافت: هيا بنا نذهب.

قلت: هيا بنا نذهب.
قال: لقد سئمت من هذا.
قلت: لقد سئمت من هذا.
قال: أين السيجار؟
قلت: أين السيجار؟

ثم وضعت الحجر الأخير - بعد أن سقط مشعلي داخل الفجوة - و خرجت من القبو في عتمة داكنة مستائا و منزعجا من الجو الرطب الذي صعّب عليّ التنفس ..

-( النهاية )-


-(نبذة عن القصة)-

هذه القصة مكتوبة أصلا في اللغة الإنكليزية بعنوان (The Cask of Amontilado), و هي للكاتب الأمريكي الشهير و المعروف بكتاباته الغامضة و المتطرفة (في الأحاسيس). إنه Edgar Ellan Poe. إن معظم قصص هذا الكاتب مليئة بالدم و القتل و الجنون, هذا لأن الكاتب نفسه كان يعاني من الكئابة و الأمراض النفسية التي بدأت معه منذ الطفولة. الجميل في مؤلفاته هو أنه يخلق جو من الرعب يجعل القارىء يشعر و كأنه في قلب الأحداث. ليس العبرة من هذا أننا مولوعون بالقصص المخيفة, ولكن العبرة هي الإستفادة من الأسلوب الحي أو الواقعي, و إستخدامه عندما نكتب للناس, فنأثر بهم ... بدلا من الأسلوب "الناشف" الذي يسود معظم أدبنا.

أما فيما يتعلق بالقصة, فإنني حوّرتها و جعلتها و كأنها قصة ذو طابع عربي. لم أقم بترجمة القصة حرفيا, ولكن نقلت الفكرة العامة للقصة .. وأضفت لها بعض "البهارات".

تقع أحداث القصة بنسختها الإنكليزية في العصور الوسطى في إيطاليا, حيث كانت مشهورة آنذاك بتجارة الخمر. وكان في كل سنة يقام مهرجان يلتقي فيه الناس متنكّرين بثياب ملونة خارجة عن المألوف, فيشربون الخمر و يحتفلون إلى طلوع الشمس. Amontilado في القصة الأصلية هو الرجل صاحب القبو ... و من إسمه نعلم أنه إيطالي. أما كلمة Cask فهي تعني البرميل الكبير الذي يُحفظ فيه الخمر (كانت البراميل تحفظ في القبو). لذلك, فإن القصة مبنية على ذلك البرميل. و السيجار الفاخر و الفريد في القصة هو أصلا ذلك البرميل الذي يحتوي على الخمرة الفاخرة ... ولكن عدلنا ذلك لتكون المسألة مناسبة للذوق العربي بشكل عام.

من الأشياء المهمة و الملفتة للنظر في القصة:

1- شعار العائلة "العين بالوجه و السن بالجسد" ... و الشعار الأساسي في القصة الأصلية هو "Nemo me impune lacessit" وهي عبارة لاتينية (حيث أن اللغة اللاتينية كانت هي الطاغية في العصور الوسطى على جميع أوروبا تقريبا), وتعني العبارة حرفيا: "لا أحد يهينني دون أن يدفع الثمن". و مسألة الشعار هي شيء واقعي, و كان متبع في القرون الوسطى.
2- اللامبالاة و العفوية التي كان يتصرف بها مرزوء عندما كان "يقتل" صاحبة ببرودة تامة.
3- تناغم الأحداث: مشهد القتل المرعب مع جو القبو, و العظام, والفجوة المعتمة, و الشعار, وحالة مرزوء قبل الموت.
4- كومة العظام في زاوية القبو, التي يوجد تحتها المالج و الحجارة. فسؤالي: من وضع تلك الأشياء هناك ؟!!

هذه هي الميزات الأساسية في القصة و لن ندخل في التفاصيل أكثر. لابد أن يكون هناك نقد للقصة, فهل من ناقد؟

في أمان الله
:grin:

shereen
05-09-2007, 08:39 PM
هذا النص للكاتب ادغار الن بو هو من القصص التي تمت للواقع و الخيال في نفس الوقت, القصة من جهة تعرض الحقد الذي قد يتملك الانسان من جراءالحسد او البغض و هنا لم يتردد صاحبنا في التخطيط لقتل اخيه الانسان من دافع الانتقام و شفاء الغليل كما يقولون...وهذا الامر ليس بالبعيد في حياتنا اليومية و خصوصا هذه الايام و الناس تشعر بالغبن الدائم و تتمنى الانتقام ممن الحقوا بهم هزيمة ما, كما يمكننا كذلك ربط روح القصة بقصة هابيل و قابيل و الملفت هنا ان الشخصيتين الرئيسيتين قريبين من بعضهما البعض و منعزلان عن مراى المجتمع و القاتل لا اسم له كما ان تصوير الجريمة في القبو القديم يعطي احساس انقطاع الزمان و المكان و وقوع حدث في غاية القبح...من ناحية ثانية فالقصة خيالية و ذلك لان الجريمة كانت قد تمت بسهولة و امتياز مطلقين بحيث لم يكشف قط ان جريمة ما قد وقعت...و هذا صعب حدوثه بحيث ان احدا ما قد يلاحظ اختفاء مرزوء و يبلغ عن ذلك او اي احتمال آخر... يبقى ان اشكر اخي عوني على نصه المعدل و قد كتبه و اجاد ايصال التاثير الموجود في النص الاصلي... و الله يرحم مرزوء !

amonaa
05-09-2007, 09:36 PM
شكرا لك اخى عونى على القصة ........................بارك الله فيك وننتظر المزيد من ابداعاتك

دعاء
21-09-2007, 12:56 PM
قصه مؤثره..ومفيده
شكرا لك