د. ياسر التلمسانى
17-05-2011, 05:48 AM
«المصرياليوم» ترصد «نهراً جديداً» فى «باطن» الصحراء الغربية
على بُعد ٣٥٠ كيلومتراً من محافظة مطروح، وتحديدًا بعد أكثر من ٥ساعات سيراً فى عمق الصحراء الغربية يكمن ما يمكن وصفه بـ«الكنز المائى»، حيث توجدبحيرة طبيعية ممتدة الأطراف، مصدرها عين جوفية تضخ مياهاً علمنا بعد تحليلها أنهاأكثر عذوبة من نهر النيل.
وبرصد استقصائى توصلنا إلى أن الأمر يُمكن أن يكون أكبر كثيراً منمجرد عين تفجرت منذ عشرات السنين دون أن تجد من يستغلها فحسب، خاصة بعد ما شاهدناهعلى الطبيعة وسمعناه من شهادات وآراء جيولوجية وتاريخية جميعها يتحدث عن أن مياههذه العين نابعة من نهر جوفى فى باطن الصحراء الغربية، مدعمين هذا التفسير بوجودآبار أخرى موازية لهذه العين على مسافات متباعدة، تخرج منها مياه بنفس مواصفاتوخواص مياه هذه العين.
هذا التفسير كان المنطلق لرحلة خاضتها «المصرى اليوم» فى عمق الصحراءالغربية لرصد هذه العين وغيرها من الآبار الموازية، بغرض التأكد من حقيقة وجودثروة مائية مخزونة فى باطن الصحراء، وغير ملتفت إليها، رغم ما تعانيه مصر فى الوقتالراهن من تهديدات بفقر مائى مستقبلى، فكانت هذه الرحلة.
الزمن: السادسة وعشر دقائق صباحاً
المكان: أمام أحد فنادق محافظة مطروح
المشهد: سيارتان نصف نقل بحالة ظاهرية تبدو متهالكة تقفان أمامالبوابة الرئيسية للفندق، وأمام كل منهما رجل يرتدى الزى البدوى، أحدهما يدعىجبران صالح جبران، والآخر اسمه فرج سالم طاهر، وهما يشتهران بين قبائل مطروحبأنهما من «ثعالب الصحراء»، خاصة أن عملهما هو إمداد القبائل التى تتخذ من قلبالصحراء الغربية موطناً، بالمؤن اللازمة للحياة ومساعدة سكانها على بيع ما ينتجونهمن محاصيل كالبلح والتمور والمصنوعات اليدوية، لأهالى مطروح وروادها، مما يعنىأنهما إحدى حلقات الوصل بين سكان القبائل الصحراوية وأهالى المدينة.
أمام الفندق، وفى هذا التوقيت (المحدد سلفاً)، التقيت أنا وزميلىالمصور طارق الفرماوى، بهذين الرجلين وبعد التحية أطمأننت منهما على توافر كل مانحتاجه من مؤن وتصاريح لرحلة فى قلب الصحراء الغربية، قاصدين خلالها مكاناً ظللتأجمع عنه معلومات على مدار شهر مضى، وتأكدت خلالها أننا مقبلون على رحلة شديدةالوعورة تنتهى بكشف خطير وقد كان.
قبل هذه الرحلة بيوم واحد كنت التقيت بجبران وفرج، بعد رحلة بحث عنأشخاص يعلمون دروب الصحراء ومسالكها ومدقاتها، يصلحون لمرافقتنا إلى ما نسعى إليه،وخلال اللقاء تحدثت معهما عما لدى من معلومات بشأن وجود ما يشبه بحيرة عذبة فى قلبالصحراء الغربية، منبعها عين جوفية تفجرت منذ عشرات السنين، ولم تتوقف عنالانهمار، فكانت المفاجأة أنهما أكدا لى صدق هذه المعلومات، بل قالا إنهما منروادها، ويعرفان الكثير عنها، وأن هناك أكثر من عين أخرى تقع على نفس الخط، بهامياه بنفس الخواص والضغط، فأيقنت أننا نسير على الطريق الصحيح، وقررت ألا أضيعالوقت، وتناقشت معهما حول الطريق المؤدى إلى هذه العيون، وما نحتاجه من مؤنوتصاريح، واتفقنا على الانطلاق صبيحة الغد بعدما حصلنا على التصاريح اللازمة لدخولهذه المنطقة، كما اتفقنا على السير بسيارتين بدلاً من واحدة بدعوى زيادة الأمان.
فى السادسة والربع صباحاً تحركنا من أمام الفندق متوجهين إلى قلبالصحراء الغربية وتحديداً إلى منطقه تدعى «عين كيفارة» تبعد عن مدينة مطروح بنحو٣٥٠ كيلو متراً، نسير منها نحو ١٠٠ كيلو متر على الطريق المؤدى إلى واحة سيوة، وهوطريق سريع ممهد، ثم نتجه إلى قلب الصحراء لنسلك «مدقات» شديدة الوعورة.
خلال سيرنا على طريق «مطروح - سيوة» هاجمتنا شبورة ممطرة شعرنا معهابأننا عدنا لمنتصف شهر فبراير، حيث الشتاء القاسى، وبعد أكثر من ٢٠ كيلو متراًانقشعت الشبورة، وعدنا إلى «الحر»، فواصلنا السير إلى أن وصلنا إلى منطقة تسمى«بئر النص» وعندها ودعنا الطريق الممهد وبدأنا الرحلة فى عمق الصحراء.
السكون التام وثبات المشهد ظلا ملازمين لنا منذ تعمقنا داخل الصحراءلمدة تجاوزت الساعة تقريباً، لم يغيرهما سوى بعض الأودية الخضراء المزروعة طبيعياًبأعشاب صحراوية وأشجار الطلح، التى يتجمع حولها قطعان من الجمال التى لم نعرف منأين تأتى وإلى أين تتجه.
ظل المشهد هكذا إلى أن تبدد اللون الأصفر من على جانبى الطريق وحلمكانه بياض ناصع، راسماً لوحة إلهية جعلتنا نشعر بأننا انتقلنا فى دقائق معدوداتمن زمهرير الصحراء الغربية، إلى جليد «سيبيريا» فى روسيا، وأمام هذا المشهد الخاطفلم أتمالك نفسى وطلبت من الدليل «الشيخ فرج» التوقف لرصد هذا التغير، فضحك قائلاً:«هذا ملح طبيعى من الأرض، وهى ظاهرة نراها منذ نحو ٤٠ عاما».
(بالعودة إلى جيولوجيين بعد الرحلة علمنا أن هذا الملح نتاج تغلغلالمياه فى باطن الأرض على مسافة قريبة، مما تسبب فى تقلب عناصرها وبروز أملاحها منالباطن إلى السطح، مكونة طبقة صخرية فى بعض المناطق وأخرى رخوة جدا).
أمام هذا المشهد اقتربت من هذا الملح وبدأت أنبش أسفله فلاحظت أنهبمجرد أن أغرس يدى فى باطن الأرض أجد ماءً، وقتها شعرت بأننا اقتربنا مما ننشد،وهو ما أكده لى دليلى فى الرحله قائلا: «هذه الوديان من الملح الطبيعى والأرضأسفلها متشبعة بالمياه لأننا اقتربنا من منطقة عين كيفارة».
تحركنا بالسيارتين بعد ذلك، وقبل أن نتجاوز الـ٢٠ دقيقة لمحت فىالأفق ما يشبه الحزام الأخضر ينتصفه انعكاس ظننت فى البداية أنه سراب، لكن بعدمااقتربنا أكثر وجدتها بحيرة كبيرة جداً، وفى أقل من ١٠ دقائق أخرى توقفنا، وقبل أنيتحدث أى من الدليلين المصاحبين لنا اندفعت وزميلى المصور صوب منطقة تكسوها خضرةكثيفة وبوص و«هيش»، وكنا كلما نقترب نسمع صوت اندفاع الماء إلى أن وصلنا لمنطقةالبئر، فكان مشهد تتراقص له الأفئدة وتبكى منه الألباب.
حينما وصلنا إلى البئر وجدنا مياها تندفع بقوة رهيبة من بين جدرانتهالكت بفعل الضغط المائى، عائدة إلى الأرض، مُشكّلة جداول وشلالات طبيعية يتصاعدمنها البخار، وبمجرد أن اقتربنا من الماء ولمسناه وجدناه ساخناً جداً، لدرجة تقتربمن الغليان، فسارعت بسؤال «الشيخ جبران» عن سر سخونة هذه المياه، فقال: «لأنهاخارجة من باطن الأرض، لكنها تبرد سريعاً».
(وقتها تذكرت بداية الخيط الذى دلّنى على هذا الكشف، وكان تقرير رسمىصادر عام ١٩٨٥، عن معمل بحوث الأراضى الملحية والقلوية التابع لمديرية الزراعةبالإسكندرية، أكد أن سرعة تدفق هذه المياه يتجاوز ٢٠ ألف متر مكعب يومياً أى مايعادل ٧ ملايين و٣٠٠ ألف متر مكعب سنوياً، ودرجة حرارتها نحو ٦٥ درجة مئوية، ومعدلعذوبتها يفوق مياه نهر النيل بعد تنقيتها).
قمت بالتسلق بين الصخور المتشبعة بالطفيليات إلى أن وصلت لجدران منبعالمياه، فوجدت داخلها «محبساً» ضخماً يتجاوز طوله المترين مخصصاً لآبار البترول،يبدو أنه انفجر منذ فترة طويلة بسبب ضغط المياه التى تنهمر من كل اتجاه مُشكّلةجدولاً عشوائياً غاية فى الجمال، حيث تحيطه الخضرة من كل اتجاه، وتصعد منه الأبخرةالدالة على ارتفاع حرارة المياه، سائراً إلى نقطة التجمع وهى البحيرة.
أمام عين كيفارة قال الشيخ فرج: «آتى إلى هنا من قبل ١٩٨٥ ومنذ هذاالوقت والعين تضخ المياه بنفس الغزارة، وكل ما أعلمه أن هذا المحبس وضعته شركةبترول تدعى كيفارة، منذ نحو ٥٠ عاماً، حينما عثرت على الماء أثناء تنقيبها عنالبترول، لكن لم يتعد وقت طويل إلا وانفجر المحبس نتيجة شدة ضغط الماء، ومنذ هذاالوقت كلما مررت أجد العين تضخ الماء بهذه الشدة».
وأضاف: «لم يأت إلى هنا أى مسؤول أو أى جهة منذ هذا الوقت، إلا مراتنادرة لم تفعل خلالها أى شىء، ولا أعرف لماذا لم يتم استغلال هذه المياه عن طريقضخها إلى مطروح وضواحيها التى هى فى أشد الحاجة إلى المياه».
وتابع الشيخ فرج: «أشرب دائماً من هذه المياه، بل آخذ منها إلىالمنزل فى جراكن لأنها مياه نظيفة جداً جداً، وأحسن من المعدنية، ولذلك أناشدالمسؤولين أن يستغلوا هذه المياه لتعمير صحراء مطروح».
وقال الشيخ جبران: «آتى إلى هنا منذ عام ١٩٩٢، ويقال إن هذه العينتضخ الماء منذ عام ١٩٤٨ أو ١٩٥٥ تقريباً، لكن هذه البناية المحيطة بالبئر جديدةأنشأها جهاز تعمير الصحارى»، مؤكداً أن المياه طعمها «لذيذ جداً»، وبها معادنكثيرة.
وحول محاولات استغلال هذه المنطقة، قال الشيخ جبران: «فى إحدىالسنوات جاء رجل أعمال وأقام مزرعة سمكية، لكنه لم يستطع تجميع السمك بسبب البوصوالهيش المحيط بالمياه، وفى مرة أخرى جاء أحد المستثمرين بعرض لاستغلال المنطقةزراعياً وسمكياً لكن ما عرفته أن المحافظة وضعت له عوائق كثيرة منها فرض رسومعالية على استهلاك المياه، فلم يوافق».
وأضاف: «مياه عين كيفارة هى نفس المياه الموجودة فى عين تبغبغ وغزالةوأم الصغير وهو ما يؤكد أن هذه المياه ليست مجرد بئر جوفية، لكنها أشبه بالنهر».
بعد الوقوف كثيراً أمام منبع هذه المياه قررنا القيام بجولة واسعةحول هذه العين حتى الوصول إلى البحيرة فكان أكثر ما لفت الانتباه هو ألوان الصخورالتى تسير فوقها المياه، والأرض الطينية والزراعات الصحراوية الكثيفة، إضافة إلىبقايا حيوانات برّية وطيور بحرية لا نعرف كيف أتت إلى هذه البقعة.
اقتربنا بالسيارتين من البحيرة ثم توقفنا لأن الأرض أصبحت طينيةمشبعة بالمياه، مما يعوق السير صوب البحيرة بالسيارتين، وأمام هذا المشهد اقتربتمسرعاً نحو المياه عابراً أنواعاً غريبة من المزروعات والبوص الشائك دون خوف منتحذيرات الدليلين من الحشرات والزواحف الخطيرة، إلى أن وصلت قرب البحيرة التى لمأستطع الوقوف على شاطئها لأن الوصول إليه كان يعنى الغوص فى الطين.
ومن البحيرة قررنا الذهاب إلى أقرب عين من «كيفارة» للوقوف على ما لدينامن معلومات حول كون ما وجدناه من مياه ليس نابعاً من مجرد بئر، فاتخذنا الطريق إلىمنطقة أخرى تسمى قارة أم الصغير .
بعد رحلة تجاوزت الساعتين وصلنا إلى هذه «القارة» فوجدناها قرية آهلةبالعشرات من البدو الذين تجمعوا حولنا مرحبين بنا بشكل ينم عن فطرة وطيبة قلماوجدت فى هذا الزمن، وهناك التقينا بشيخ القارة، وهو كهل يدعى الشيخ مهدى، وطلبنامنه الوصول إلى البئر، فأخذنا بنفسه إليها.
بمجرد الوصول إلى هذه البئر وجدنا طلمبات وماكينة رفع عملاقة علمناأن المحافظة بالتعاون مع هيئات مانحة قامت بتركيبها لكى يستفيد منها أهل القارة،حيث تخرج المياه من البئر بنفس درجة حرارة «عين كيفارة» ومنها تتجه إلى مجرى مؤدلحوض كبير لتبريدها، على أن تسير بعد ذلك إلى المنازل والزراعات.
أمام هذه البئر التقينا شخصاً يدعى مصطفى محمد خليفة، علمت من الشيخمهدى أنه مسؤول البئر، الذى يتولى عملية فتحها وغلقها فى أوقات معينة.
قال خليفة: «المياه الساخنة اللى بتخرج من العين، بنوديها على مبردإحنا عاملينه، عشان يبردها شوية، وهى مياه نظيفه بتبرد فى وقت قليل، وبعدين بتروحعلى الجناين، لكن لو هنستخدمها فى الشرب، بتطلع على خط تانى غير خط التبريد، هو خطموصل بعدادات استهلاك لكل بيت فى القارة، عشان المحافظة تحاسبنا عليه، وللعلمالبير ده ممنوع يتقفل، لكننا ممكن نقفل المحابس فقط وده لما كل خزانات المياه اللىفى القرية بتتملى، ساعتها بنقفل المحابس ونوجه المياه للأرض».
وهنا تدخل الشيخ مهدى قائلاً: «حوض التبريد ده بياخد المياه اللىجاية من الخزان، ويفرغها فى حوض، وبعدين تروح للحوض الثانى عن طريق ماسورة، وبعدالتبريد بنسيب المياه على الأراضى المخصصة للزراعة».
وحول التشابه فى خواص وقوة مياه بئرى القارة وكيفارة، قال الشيخمهدى: «نعم هى مياه واحدة، وهناك أكثر من بئر أخرى على نفس الخط تخرج هذه المياهمنذ عشرات، بل مئات السنين، لكننا لم نستفد منها، لبعدها الكبير عن القارة».
وأضاف: «نحن كنا نعيش لفترة طويلة على مياه كيفارة، وذلك قبل اكتشافهذه البئر المجاورة لنا، ولأننا شربنا من الاثنتين، نؤكد عدم وجود أى اختلافبينهما سواء فى درجة حرارتها أو فى طعمها».
بعد هذه الجولة سعينا إلى الوصول لبئر ثالثة، لكن بُعد المسافةووعورة الطريق، وقرب نفاد ما معنا من مؤن حالت دون ذلك، فاكتفينا بما رصدنا،وقررنا العودة إلى مطروح، حاملين معنا ما يمكن تسميته بـ«كشف مائى» خطير، نقدمهخالصاً للمسؤولين، أملاً فى استغلاله، ونحن فى أشد الحاجة إليه.
«المصرياليوم» تنشر تقريراً رسمياً حول مياه «كيفارة».. وترصد آراءجيولوجيةوتاريخية عن منبعها
حصلت «المصرى اليوم» على تقرير رسمى حول العين السخنة (كيفارة)، أكدأن مياهها «أنقى» من مياه الصنبور، وأن معدل تدفقها من العين يصل إلى «٢٠ ألف» مترمكعب يومياً، ودرجة حرارتها تفوق الـ«٦٠» درجة مئوية، مشدداً على ضرورة سرعةاستغلال هذه العين، لضمان عدم إهدار ثروة تعود بالنفع على المنطقة.
اللافت أنه رغم تنبيه التقرير الصادر منذ نحو ربع قرن من الزمان، فإنالوضع لا يزال على ما عليه: ماء ينهمر بقوة دون أن يجد من يستفيد منه.
أمام ما سرده التقرير من نتائج مذهلة حول عين كيفارة كان من الضرورىرصد آراء عدد من المتخصصين جيولوجياً وتاريخياً فى هذه المنطقة، فالتقينا أحدالجيولوجيين المسؤولين عن جهاز تعمير صحراء الساحل الشمالى، الذى تحدث معنا كثيراًحول خواص ومنبع هذه المياه، مقابل وعد منا بعدم الكشف عن اسمه لأسباب قال إنهاوظيفية، فيما أمدتنا المستشارة هايدى فاروق، الباحث فى الأرشيفين البريطانىوالأمريكى، بمعلومات تاريخية وصفتها بـ«المذهلة» تتحدث عن وجود نهر فى باطنالصحراء الغربية.
تقرير «بحوث الأراضى الملحية والقلوية»: مياه العين «أنقى» من نهرالنيل.. والأرض المحيطة بها «تصلح للزراعة».. والتأخر فى استغلالها «إهدار» للثروةالمائية
أكد تقرير رسمى صادر عن معمل بحوث الأراضى الملحية والقلويةبالإسكندرية أن مياه عين كيفارة «أكثر نقاءً» من مياه نهر النيل، وأن هناك رقعةكبيرة من الأرض الصحراوية المحيطة بها «صالحة للزراعة»، معتبراً أى تأخر فىاستغلال مياه هذه العين «إهداراً» لثروة مائية تعود بالنفع على المنطقة.
وجاء فى نص التقرير، الصادر فى الرابع من نوفمبر ١٩٨٥: «قامت اللجنةالمكونة من السادة مدير عام قطاع الزراعة بمطروح، الأستاذ الدكتور المنسق العام،والمستشار الأستاذ الدكتور حسن إسماعيل، والمجموعة الفنية لمشروع الأراضى القحلةبزيارة العين السخنة (عين كيفارة) بواحة سيوة بمطروح، وقد تولى مدير معمل بحوثالأراضى الملحية والقلوية دراسة مياه العين السخنة، وكذا صلاحية الأراضى المحيطةللزراعة».
وقال التقرير: «تم رفع تقرير فى حينه إلى الأستاذ الدكتور عادلالبلتاجى، المنسق العام لمشروع الأراضى القحلة لعرضه على السيد الأستاذ الدكتوروزير الزراعة، ولقد تبين من الدراسة التى قامت بها اللجنة ومعمل بحوث الأراضىالنقاط التالية:-
العين السخنة بواحة سيوة بمطروح هى عبارة عن بئر حُفرت بواسطة إحدىشركات البترول، التى كانت تعمل بالمنطقة، ولمّا وجدت الشركة أن البئر لا تحتوىإلاّ على الماء قامت بعمل تكْسية للبئر وأغلقتها بمحابس حديدية، لإمكانيةاستغلالها مستقبلاً، إلاّ أن التكْسية الحديدية للبئر كُسِرت وتفجّر الماء بسرعةتحت ضغط هيدروستاتيكى عال جدا أدى إلى تدفق الماء بسرعة كبيرة من البئر، وبمعدلتصرف يصل إلى حوالى ٢٠.٠٠٠ متر مكعب يومياً، إلاّ أن هذا الرقم لا يعول عليه إلابمد قياس التصرف الحقيقى للبئر على الطبيعة.
بدراسة العين السخنة وُجد أن درجة حرارة مياهها ٦٥ درجة مئوية، ودرجةتوصيلها الكهربائى هى ٠.٦ ملليموز/سم، أى أن درجة تركيز الأملاح بها ٣٩٠ جزءاً فىالمليون، وبذلك فإنها أكثر عذوبة من مياه الصنبور العادية، التى تصل أحيانا درجةملوحتها إلى أكثر من ٥٠٠ جزء فى المليون، ويُبيّن جدول رقم ١ نتائج تحليل مياهالبئر الساخنة.
تقع البئر المذكورة أعلاه فى منطقة توضح الدلائل فيها أنها من أصلبحرى، حيث تنتشر القواقع البحرية فى المنطقة التى حول البئر، والتى تتميز بوجودطبقة متفاوتة السمك من الرمال، تليها طبقة جبسية يتراوح سمكها من ٢٥ إلى ٣٠ مم،ونتيجة لارتفاع درجة المياه المتدفقة من البئر وسرعة جريانها فإن المياه أحدثتتصدعات فى الطبقة الجبسية، مما أدى إلى تسربها خلال جوف الأرض، مُذيبة للأملاح، ثمظهورها مرة أخرى فى المنخفضات على صورة بحيرات ملحية تماماً، حيث وصلت درجة ملوحةإحدى البحيرات المتكونة من تسرب المياه (البحيرة الكبيرة) إلى حوالى ٤٣ملليموز/سم، أى حوالى ٢٧٩٥٠ جزءاً فى المليون، أى ما يقارب تركيز الأملاح فى مياهالبحر الأبيض المتوسط (حوالى ٣٤٠٠٠جزء/مليون)، ويبين هذا مدى الضرر الجسيم الذىيؤدى إلى تحويل مياه عذبة إلى مياه مالحة غير صالحة لأى غرض، وبالطبع هذا يتوقفعلى ملوحة الطبقات التى يمر خلالها الماء.
ورغم أن الأراضى المحيطة بالبئر أراض ملحية تحتوى على نسب عالية منأملاح كلوريد الصوديوم بجانب طبقات الجبس المنتشرة على سطح التربة، مما يعوقاستغلال تلك الأراضى للزراعة، فإن هناك أراضى جيدة تبعد عن البئر بحوالى ٣٠كيلومتراً، ويمكن استغلالها زراعياً، وقد تم أخذ عينات من قطاع تلك الأراضىللتحليل، ويوضح جدول ٢ تحليلا لقطاع التربة، إلاّ أن قطاعا واحدا لا يفى بالغرضويمكن عمل حصر تصنيفى للأراضى فى المنطقة المذكورة لتحديد مدى صلاحيتها للزراعة.
كما توجد بئر أخرى بالمنطقة إلاّ أنها مغلقة وبها تصدع خفيف طرأ علىتكسيتها الحديدية، وبدأ يتسرب منها الماء، ولذا فإنه تعذر أخذ عينات للتحاليل لعدمتمثيل العينة لمياه البئر تحت هذه الظروف، ولذا فإنه يمكن فتح البئر وتقدير تصرفةوتحديد درجة ملوحتها لتكون مكملة للعين السخنة كمصدر للمياه فى المنطقة.
إن أى تأخير فى استغلال تلك المياه يعتبر إهداراً لثروة ممكناستغلالها، وتعود بالنفع على المنطقة كلها، خصوصاً أن المنطقة تعانى من نقص شديدفى مياه الشرب، وأقل استغلال حالياً هو عمل محطة لمياه الشرب يكون مصدرها العينالسخنة، بعد تحليل مياهها بكترولوجياً لتمد منطقة مطروح بالمياه العذبة، بدلا منمحطات تحلية مياه البحر، التى تعتبر إلى الآن مكلفة للغاية، كما يجب دراسة البئرمن الناحية الهيدرولوجية لحساب معدل تصرفها اليومى ومخزونها من المياه حتى تكونالدراسة كاملة.
مُعِد التقرير لـ«المصرى اليوم»: لم أتوقع تجاهل توصياتنا حولاستغلال
«العين» .. وسكرتير عام «مطروح» رفض توصيل مياهها للمحافظة بسبب «١٧مليون» جنيه
أبدى الدكتور محمد عبدالمحسن خليل، المدير الأسبق لمعمل بحوث الأراضىالملحية والقلوية بالإسكندرية، غضبه الشديد مما وصفه بـ«تقاعس» الأجهزة التنفيذيةبالدولة عن تنفيذ توصيات التقرير الصادر بشأن «عين كيفارة»، مؤكداً أنه «فوجئ» بماكشفت عنه «المصرى اليوم» حول بقاء الوضع كما هو عليه فى هذه العين، منذ صدور تقريراللجنة فى نوفمبر ١٩٨٥.
وقال خليل- فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «أولاً ليس لى الحق فىالتعليق على الوضع الحالى لأننى أصبحت غير مسؤول الآن، حيث خرجت على المعاش منذفترة، ومن ثم فمن الناحية الوظيفية هناك من هو أصلح فى الرد على الموضوع». وأضاف:«هذه القصة بدأت حينما وردت معلومات للدكتور يوسف والى وزير الزراعة وقتها، عن هذهالعين، فشكل لجنة برئاسة الدكتور عادل البلتاجى، الذى كان يشغل منصب المنسق العاملمشروع الأراضى القحلة آنذاك، والذى بدوره أوفد لجنة مُشكّلة من الدكتور حسنإسماعيل، مدير عام قطاع الزراعة بمطروح وقتها، إضافة إلى مجموعة فنية تابعة لمشروعالأراضى القحلة، إلى العين السخنة (كيفارة)، حيث أجرت دراسات عليها، وجاءتنىبالنتائج، التى بناء عليها أعددت هذا التقرير».
وتابع «خليل» - الذى يعمل حالياً أستاذاً متفرغاً بالمعمل: «بعد عودةاللجنة من العين طالبنا باستغلال مياهها بشكل أمثل من خلال توصيلها إلى مطروح،خاصة أنها من المحافظات التى تعانى ندرة مائية، وكان سكانها فى هذا الوقت يشترونالمياه بمبالغ كبيرة، فعرضنا الأمر على اللواء يوسف الشامى، محافظ مطروح آنذاك،لكن أذكر أن سكرتير عام المحافظة فى هذا الوقت رفض بدعوى أن هذا المشروع سيكبدميزانية المحافظة ما يقرب من ١٧ مليون جنيه، وهو ما لم تستطع المحافظة تحملهأيامها، فاكتفينا بما جاء فى نص التقرير».
وجدد «خليل» تشديده على ضرورة استغلال هذه المياه، مؤكداً أنها«أنقى» من مياه نهر النيل، وأن عدم الاستفادة منها ومن التربة المحيطة بها، يتسببفى تحويلها إلى مياه «أشد ملوحة» من البحر المتوسط.
على بُعد ٣٥٠ كيلومتراً من محافظة مطروح، وتحديدًا بعد أكثر من ٥ساعات سيراً فى عمق الصحراء الغربية يكمن ما يمكن وصفه بـ«الكنز المائى»، حيث توجدبحيرة طبيعية ممتدة الأطراف، مصدرها عين جوفية تضخ مياهاً علمنا بعد تحليلها أنهاأكثر عذوبة من نهر النيل.
وبرصد استقصائى توصلنا إلى أن الأمر يُمكن أن يكون أكبر كثيراً منمجرد عين تفجرت منذ عشرات السنين دون أن تجد من يستغلها فحسب، خاصة بعد ما شاهدناهعلى الطبيعة وسمعناه من شهادات وآراء جيولوجية وتاريخية جميعها يتحدث عن أن مياههذه العين نابعة من نهر جوفى فى باطن الصحراء الغربية، مدعمين هذا التفسير بوجودآبار أخرى موازية لهذه العين على مسافات متباعدة، تخرج منها مياه بنفس مواصفاتوخواص مياه هذه العين.
هذا التفسير كان المنطلق لرحلة خاضتها «المصرى اليوم» فى عمق الصحراءالغربية لرصد هذه العين وغيرها من الآبار الموازية، بغرض التأكد من حقيقة وجودثروة مائية مخزونة فى باطن الصحراء، وغير ملتفت إليها، رغم ما تعانيه مصر فى الوقتالراهن من تهديدات بفقر مائى مستقبلى، فكانت هذه الرحلة.
الزمن: السادسة وعشر دقائق صباحاً
المكان: أمام أحد فنادق محافظة مطروح
المشهد: سيارتان نصف نقل بحالة ظاهرية تبدو متهالكة تقفان أمامالبوابة الرئيسية للفندق، وأمام كل منهما رجل يرتدى الزى البدوى، أحدهما يدعىجبران صالح جبران، والآخر اسمه فرج سالم طاهر، وهما يشتهران بين قبائل مطروحبأنهما من «ثعالب الصحراء»، خاصة أن عملهما هو إمداد القبائل التى تتخذ من قلبالصحراء الغربية موطناً، بالمؤن اللازمة للحياة ومساعدة سكانها على بيع ما ينتجونهمن محاصيل كالبلح والتمور والمصنوعات اليدوية، لأهالى مطروح وروادها، مما يعنىأنهما إحدى حلقات الوصل بين سكان القبائل الصحراوية وأهالى المدينة.
أمام الفندق، وفى هذا التوقيت (المحدد سلفاً)، التقيت أنا وزميلىالمصور طارق الفرماوى، بهذين الرجلين وبعد التحية أطمأننت منهما على توافر كل مانحتاجه من مؤن وتصاريح لرحلة فى قلب الصحراء الغربية، قاصدين خلالها مكاناً ظللتأجمع عنه معلومات على مدار شهر مضى، وتأكدت خلالها أننا مقبلون على رحلة شديدةالوعورة تنتهى بكشف خطير وقد كان.
قبل هذه الرحلة بيوم واحد كنت التقيت بجبران وفرج، بعد رحلة بحث عنأشخاص يعلمون دروب الصحراء ومسالكها ومدقاتها، يصلحون لمرافقتنا إلى ما نسعى إليه،وخلال اللقاء تحدثت معهما عما لدى من معلومات بشأن وجود ما يشبه بحيرة عذبة فى قلبالصحراء الغربية، منبعها عين جوفية تفجرت منذ عشرات السنين، ولم تتوقف عنالانهمار، فكانت المفاجأة أنهما أكدا لى صدق هذه المعلومات، بل قالا إنهما منروادها، ويعرفان الكثير عنها، وأن هناك أكثر من عين أخرى تقع على نفس الخط، بهامياه بنفس الخواص والضغط، فأيقنت أننا نسير على الطريق الصحيح، وقررت ألا أضيعالوقت، وتناقشت معهما حول الطريق المؤدى إلى هذه العيون، وما نحتاجه من مؤنوتصاريح، واتفقنا على الانطلاق صبيحة الغد بعدما حصلنا على التصاريح اللازمة لدخولهذه المنطقة، كما اتفقنا على السير بسيارتين بدلاً من واحدة بدعوى زيادة الأمان.
فى السادسة والربع صباحاً تحركنا من أمام الفندق متوجهين إلى قلبالصحراء الغربية وتحديداً إلى منطقه تدعى «عين كيفارة» تبعد عن مدينة مطروح بنحو٣٥٠ كيلو متراً، نسير منها نحو ١٠٠ كيلو متر على الطريق المؤدى إلى واحة سيوة، وهوطريق سريع ممهد، ثم نتجه إلى قلب الصحراء لنسلك «مدقات» شديدة الوعورة.
خلال سيرنا على طريق «مطروح - سيوة» هاجمتنا شبورة ممطرة شعرنا معهابأننا عدنا لمنتصف شهر فبراير، حيث الشتاء القاسى، وبعد أكثر من ٢٠ كيلو متراًانقشعت الشبورة، وعدنا إلى «الحر»، فواصلنا السير إلى أن وصلنا إلى منطقة تسمى«بئر النص» وعندها ودعنا الطريق الممهد وبدأنا الرحلة فى عمق الصحراء.
السكون التام وثبات المشهد ظلا ملازمين لنا منذ تعمقنا داخل الصحراءلمدة تجاوزت الساعة تقريباً، لم يغيرهما سوى بعض الأودية الخضراء المزروعة طبيعياًبأعشاب صحراوية وأشجار الطلح، التى يتجمع حولها قطعان من الجمال التى لم نعرف منأين تأتى وإلى أين تتجه.
ظل المشهد هكذا إلى أن تبدد اللون الأصفر من على جانبى الطريق وحلمكانه بياض ناصع، راسماً لوحة إلهية جعلتنا نشعر بأننا انتقلنا فى دقائق معدوداتمن زمهرير الصحراء الغربية، إلى جليد «سيبيريا» فى روسيا، وأمام هذا المشهد الخاطفلم أتمالك نفسى وطلبت من الدليل «الشيخ فرج» التوقف لرصد هذا التغير، فضحك قائلاً:«هذا ملح طبيعى من الأرض، وهى ظاهرة نراها منذ نحو ٤٠ عاما».
(بالعودة إلى جيولوجيين بعد الرحلة علمنا أن هذا الملح نتاج تغلغلالمياه فى باطن الأرض على مسافة قريبة، مما تسبب فى تقلب عناصرها وبروز أملاحها منالباطن إلى السطح، مكونة طبقة صخرية فى بعض المناطق وأخرى رخوة جدا).
أمام هذا المشهد اقتربت من هذا الملح وبدأت أنبش أسفله فلاحظت أنهبمجرد أن أغرس يدى فى باطن الأرض أجد ماءً، وقتها شعرت بأننا اقتربنا مما ننشد،وهو ما أكده لى دليلى فى الرحله قائلا: «هذه الوديان من الملح الطبيعى والأرضأسفلها متشبعة بالمياه لأننا اقتربنا من منطقة عين كيفارة».
تحركنا بالسيارتين بعد ذلك، وقبل أن نتجاوز الـ٢٠ دقيقة لمحت فىالأفق ما يشبه الحزام الأخضر ينتصفه انعكاس ظننت فى البداية أنه سراب، لكن بعدمااقتربنا أكثر وجدتها بحيرة كبيرة جداً، وفى أقل من ١٠ دقائق أخرى توقفنا، وقبل أنيتحدث أى من الدليلين المصاحبين لنا اندفعت وزميلى المصور صوب منطقة تكسوها خضرةكثيفة وبوص و«هيش»، وكنا كلما نقترب نسمع صوت اندفاع الماء إلى أن وصلنا لمنطقةالبئر، فكان مشهد تتراقص له الأفئدة وتبكى منه الألباب.
حينما وصلنا إلى البئر وجدنا مياها تندفع بقوة رهيبة من بين جدرانتهالكت بفعل الضغط المائى، عائدة إلى الأرض، مُشكّلة جداول وشلالات طبيعية يتصاعدمنها البخار، وبمجرد أن اقتربنا من الماء ولمسناه وجدناه ساخناً جداً، لدرجة تقتربمن الغليان، فسارعت بسؤال «الشيخ جبران» عن سر سخونة هذه المياه، فقال: «لأنهاخارجة من باطن الأرض، لكنها تبرد سريعاً».
(وقتها تذكرت بداية الخيط الذى دلّنى على هذا الكشف، وكان تقرير رسمىصادر عام ١٩٨٥، عن معمل بحوث الأراضى الملحية والقلوية التابع لمديرية الزراعةبالإسكندرية، أكد أن سرعة تدفق هذه المياه يتجاوز ٢٠ ألف متر مكعب يومياً أى مايعادل ٧ ملايين و٣٠٠ ألف متر مكعب سنوياً، ودرجة حرارتها نحو ٦٥ درجة مئوية، ومعدلعذوبتها يفوق مياه نهر النيل بعد تنقيتها).
قمت بالتسلق بين الصخور المتشبعة بالطفيليات إلى أن وصلت لجدران منبعالمياه، فوجدت داخلها «محبساً» ضخماً يتجاوز طوله المترين مخصصاً لآبار البترول،يبدو أنه انفجر منذ فترة طويلة بسبب ضغط المياه التى تنهمر من كل اتجاه مُشكّلةجدولاً عشوائياً غاية فى الجمال، حيث تحيطه الخضرة من كل اتجاه، وتصعد منه الأبخرةالدالة على ارتفاع حرارة المياه، سائراً إلى نقطة التجمع وهى البحيرة.
أمام عين كيفارة قال الشيخ فرج: «آتى إلى هنا من قبل ١٩٨٥ ومنذ هذاالوقت والعين تضخ المياه بنفس الغزارة، وكل ما أعلمه أن هذا المحبس وضعته شركةبترول تدعى كيفارة، منذ نحو ٥٠ عاماً، حينما عثرت على الماء أثناء تنقيبها عنالبترول، لكن لم يتعد وقت طويل إلا وانفجر المحبس نتيجة شدة ضغط الماء، ومنذ هذاالوقت كلما مررت أجد العين تضخ الماء بهذه الشدة».
وأضاف: «لم يأت إلى هنا أى مسؤول أو أى جهة منذ هذا الوقت، إلا مراتنادرة لم تفعل خلالها أى شىء، ولا أعرف لماذا لم يتم استغلال هذه المياه عن طريقضخها إلى مطروح وضواحيها التى هى فى أشد الحاجة إلى المياه».
وتابع الشيخ فرج: «أشرب دائماً من هذه المياه، بل آخذ منها إلىالمنزل فى جراكن لأنها مياه نظيفة جداً جداً، وأحسن من المعدنية، ولذلك أناشدالمسؤولين أن يستغلوا هذه المياه لتعمير صحراء مطروح».
وقال الشيخ جبران: «آتى إلى هنا منذ عام ١٩٩٢، ويقال إن هذه العينتضخ الماء منذ عام ١٩٤٨ أو ١٩٥٥ تقريباً، لكن هذه البناية المحيطة بالبئر جديدةأنشأها جهاز تعمير الصحارى»، مؤكداً أن المياه طعمها «لذيذ جداً»، وبها معادنكثيرة.
وحول محاولات استغلال هذه المنطقة، قال الشيخ جبران: «فى إحدىالسنوات جاء رجل أعمال وأقام مزرعة سمكية، لكنه لم يستطع تجميع السمك بسبب البوصوالهيش المحيط بالمياه، وفى مرة أخرى جاء أحد المستثمرين بعرض لاستغلال المنطقةزراعياً وسمكياً لكن ما عرفته أن المحافظة وضعت له عوائق كثيرة منها فرض رسومعالية على استهلاك المياه، فلم يوافق».
وأضاف: «مياه عين كيفارة هى نفس المياه الموجودة فى عين تبغبغ وغزالةوأم الصغير وهو ما يؤكد أن هذه المياه ليست مجرد بئر جوفية، لكنها أشبه بالنهر».
بعد الوقوف كثيراً أمام منبع هذه المياه قررنا القيام بجولة واسعةحول هذه العين حتى الوصول إلى البحيرة فكان أكثر ما لفت الانتباه هو ألوان الصخورالتى تسير فوقها المياه، والأرض الطينية والزراعات الصحراوية الكثيفة، إضافة إلىبقايا حيوانات برّية وطيور بحرية لا نعرف كيف أتت إلى هذه البقعة.
اقتربنا بالسيارتين من البحيرة ثم توقفنا لأن الأرض أصبحت طينيةمشبعة بالمياه، مما يعوق السير صوب البحيرة بالسيارتين، وأمام هذا المشهد اقتربتمسرعاً نحو المياه عابراً أنواعاً غريبة من المزروعات والبوص الشائك دون خوف منتحذيرات الدليلين من الحشرات والزواحف الخطيرة، إلى أن وصلت قرب البحيرة التى لمأستطع الوقوف على شاطئها لأن الوصول إليه كان يعنى الغوص فى الطين.
ومن البحيرة قررنا الذهاب إلى أقرب عين من «كيفارة» للوقوف على ما لدينامن معلومات حول كون ما وجدناه من مياه ليس نابعاً من مجرد بئر، فاتخذنا الطريق إلىمنطقة أخرى تسمى قارة أم الصغير .
بعد رحلة تجاوزت الساعتين وصلنا إلى هذه «القارة» فوجدناها قرية آهلةبالعشرات من البدو الذين تجمعوا حولنا مرحبين بنا بشكل ينم عن فطرة وطيبة قلماوجدت فى هذا الزمن، وهناك التقينا بشيخ القارة، وهو كهل يدعى الشيخ مهدى، وطلبنامنه الوصول إلى البئر، فأخذنا بنفسه إليها.
بمجرد الوصول إلى هذه البئر وجدنا طلمبات وماكينة رفع عملاقة علمناأن المحافظة بالتعاون مع هيئات مانحة قامت بتركيبها لكى يستفيد منها أهل القارة،حيث تخرج المياه من البئر بنفس درجة حرارة «عين كيفارة» ومنها تتجه إلى مجرى مؤدلحوض كبير لتبريدها، على أن تسير بعد ذلك إلى المنازل والزراعات.
أمام هذه البئر التقينا شخصاً يدعى مصطفى محمد خليفة، علمت من الشيخمهدى أنه مسؤول البئر، الذى يتولى عملية فتحها وغلقها فى أوقات معينة.
قال خليفة: «المياه الساخنة اللى بتخرج من العين، بنوديها على مبردإحنا عاملينه، عشان يبردها شوية، وهى مياه نظيفه بتبرد فى وقت قليل، وبعدين بتروحعلى الجناين، لكن لو هنستخدمها فى الشرب، بتطلع على خط تانى غير خط التبريد، هو خطموصل بعدادات استهلاك لكل بيت فى القارة، عشان المحافظة تحاسبنا عليه، وللعلمالبير ده ممنوع يتقفل، لكننا ممكن نقفل المحابس فقط وده لما كل خزانات المياه اللىفى القرية بتتملى، ساعتها بنقفل المحابس ونوجه المياه للأرض».
وهنا تدخل الشيخ مهدى قائلاً: «حوض التبريد ده بياخد المياه اللىجاية من الخزان، ويفرغها فى حوض، وبعدين تروح للحوض الثانى عن طريق ماسورة، وبعدالتبريد بنسيب المياه على الأراضى المخصصة للزراعة».
وحول التشابه فى خواص وقوة مياه بئرى القارة وكيفارة، قال الشيخمهدى: «نعم هى مياه واحدة، وهناك أكثر من بئر أخرى على نفس الخط تخرج هذه المياهمنذ عشرات، بل مئات السنين، لكننا لم نستفد منها، لبعدها الكبير عن القارة».
وأضاف: «نحن كنا نعيش لفترة طويلة على مياه كيفارة، وذلك قبل اكتشافهذه البئر المجاورة لنا، ولأننا شربنا من الاثنتين، نؤكد عدم وجود أى اختلافبينهما سواء فى درجة حرارتها أو فى طعمها».
بعد هذه الجولة سعينا إلى الوصول لبئر ثالثة، لكن بُعد المسافةووعورة الطريق، وقرب نفاد ما معنا من مؤن حالت دون ذلك، فاكتفينا بما رصدنا،وقررنا العودة إلى مطروح، حاملين معنا ما يمكن تسميته بـ«كشف مائى» خطير، نقدمهخالصاً للمسؤولين، أملاً فى استغلاله، ونحن فى أشد الحاجة إليه.
«المصرياليوم» تنشر تقريراً رسمياً حول مياه «كيفارة».. وترصد آراءجيولوجيةوتاريخية عن منبعها
حصلت «المصرى اليوم» على تقرير رسمى حول العين السخنة (كيفارة)، أكدأن مياهها «أنقى» من مياه الصنبور، وأن معدل تدفقها من العين يصل إلى «٢٠ ألف» مترمكعب يومياً، ودرجة حرارتها تفوق الـ«٦٠» درجة مئوية، مشدداً على ضرورة سرعةاستغلال هذه العين، لضمان عدم إهدار ثروة تعود بالنفع على المنطقة.
اللافت أنه رغم تنبيه التقرير الصادر منذ نحو ربع قرن من الزمان، فإنالوضع لا يزال على ما عليه: ماء ينهمر بقوة دون أن يجد من يستفيد منه.
أمام ما سرده التقرير من نتائج مذهلة حول عين كيفارة كان من الضرورىرصد آراء عدد من المتخصصين جيولوجياً وتاريخياً فى هذه المنطقة، فالتقينا أحدالجيولوجيين المسؤولين عن جهاز تعمير صحراء الساحل الشمالى، الذى تحدث معنا كثيراًحول خواص ومنبع هذه المياه، مقابل وعد منا بعدم الكشف عن اسمه لأسباب قال إنهاوظيفية، فيما أمدتنا المستشارة هايدى فاروق، الباحث فى الأرشيفين البريطانىوالأمريكى، بمعلومات تاريخية وصفتها بـ«المذهلة» تتحدث عن وجود نهر فى باطنالصحراء الغربية.
تقرير «بحوث الأراضى الملحية والقلوية»: مياه العين «أنقى» من نهرالنيل.. والأرض المحيطة بها «تصلح للزراعة».. والتأخر فى استغلالها «إهدار» للثروةالمائية
أكد تقرير رسمى صادر عن معمل بحوث الأراضى الملحية والقلويةبالإسكندرية أن مياه عين كيفارة «أكثر نقاءً» من مياه نهر النيل، وأن هناك رقعةكبيرة من الأرض الصحراوية المحيطة بها «صالحة للزراعة»، معتبراً أى تأخر فىاستغلال مياه هذه العين «إهداراً» لثروة مائية تعود بالنفع على المنطقة.
وجاء فى نص التقرير، الصادر فى الرابع من نوفمبر ١٩٨٥: «قامت اللجنةالمكونة من السادة مدير عام قطاع الزراعة بمطروح، الأستاذ الدكتور المنسق العام،والمستشار الأستاذ الدكتور حسن إسماعيل، والمجموعة الفنية لمشروع الأراضى القحلةبزيارة العين السخنة (عين كيفارة) بواحة سيوة بمطروح، وقد تولى مدير معمل بحوثالأراضى الملحية والقلوية دراسة مياه العين السخنة، وكذا صلاحية الأراضى المحيطةللزراعة».
وقال التقرير: «تم رفع تقرير فى حينه إلى الأستاذ الدكتور عادلالبلتاجى، المنسق العام لمشروع الأراضى القحلة لعرضه على السيد الأستاذ الدكتوروزير الزراعة، ولقد تبين من الدراسة التى قامت بها اللجنة ومعمل بحوث الأراضىالنقاط التالية:-
العين السخنة بواحة سيوة بمطروح هى عبارة عن بئر حُفرت بواسطة إحدىشركات البترول، التى كانت تعمل بالمنطقة، ولمّا وجدت الشركة أن البئر لا تحتوىإلاّ على الماء قامت بعمل تكْسية للبئر وأغلقتها بمحابس حديدية، لإمكانيةاستغلالها مستقبلاً، إلاّ أن التكْسية الحديدية للبئر كُسِرت وتفجّر الماء بسرعةتحت ضغط هيدروستاتيكى عال جدا أدى إلى تدفق الماء بسرعة كبيرة من البئر، وبمعدلتصرف يصل إلى حوالى ٢٠.٠٠٠ متر مكعب يومياً، إلاّ أن هذا الرقم لا يعول عليه إلابمد قياس التصرف الحقيقى للبئر على الطبيعة.
بدراسة العين السخنة وُجد أن درجة حرارة مياهها ٦٥ درجة مئوية، ودرجةتوصيلها الكهربائى هى ٠.٦ ملليموز/سم، أى أن درجة تركيز الأملاح بها ٣٩٠ جزءاً فىالمليون، وبذلك فإنها أكثر عذوبة من مياه الصنبور العادية، التى تصل أحيانا درجةملوحتها إلى أكثر من ٥٠٠ جزء فى المليون، ويُبيّن جدول رقم ١ نتائج تحليل مياهالبئر الساخنة.
تقع البئر المذكورة أعلاه فى منطقة توضح الدلائل فيها أنها من أصلبحرى، حيث تنتشر القواقع البحرية فى المنطقة التى حول البئر، والتى تتميز بوجودطبقة متفاوتة السمك من الرمال، تليها طبقة جبسية يتراوح سمكها من ٢٥ إلى ٣٠ مم،ونتيجة لارتفاع درجة المياه المتدفقة من البئر وسرعة جريانها فإن المياه أحدثتتصدعات فى الطبقة الجبسية، مما أدى إلى تسربها خلال جوف الأرض، مُذيبة للأملاح، ثمظهورها مرة أخرى فى المنخفضات على صورة بحيرات ملحية تماماً، حيث وصلت درجة ملوحةإحدى البحيرات المتكونة من تسرب المياه (البحيرة الكبيرة) إلى حوالى ٤٣ملليموز/سم، أى حوالى ٢٧٩٥٠ جزءاً فى المليون، أى ما يقارب تركيز الأملاح فى مياهالبحر الأبيض المتوسط (حوالى ٣٤٠٠٠جزء/مليون)، ويبين هذا مدى الضرر الجسيم الذىيؤدى إلى تحويل مياه عذبة إلى مياه مالحة غير صالحة لأى غرض، وبالطبع هذا يتوقفعلى ملوحة الطبقات التى يمر خلالها الماء.
ورغم أن الأراضى المحيطة بالبئر أراض ملحية تحتوى على نسب عالية منأملاح كلوريد الصوديوم بجانب طبقات الجبس المنتشرة على سطح التربة، مما يعوقاستغلال تلك الأراضى للزراعة، فإن هناك أراضى جيدة تبعد عن البئر بحوالى ٣٠كيلومتراً، ويمكن استغلالها زراعياً، وقد تم أخذ عينات من قطاع تلك الأراضىللتحليل، ويوضح جدول ٢ تحليلا لقطاع التربة، إلاّ أن قطاعا واحدا لا يفى بالغرضويمكن عمل حصر تصنيفى للأراضى فى المنطقة المذكورة لتحديد مدى صلاحيتها للزراعة.
كما توجد بئر أخرى بالمنطقة إلاّ أنها مغلقة وبها تصدع خفيف طرأ علىتكسيتها الحديدية، وبدأ يتسرب منها الماء، ولذا فإنه تعذر أخذ عينات للتحاليل لعدمتمثيل العينة لمياه البئر تحت هذه الظروف، ولذا فإنه يمكن فتح البئر وتقدير تصرفةوتحديد درجة ملوحتها لتكون مكملة للعين السخنة كمصدر للمياه فى المنطقة.
إن أى تأخير فى استغلال تلك المياه يعتبر إهداراً لثروة ممكناستغلالها، وتعود بالنفع على المنطقة كلها، خصوصاً أن المنطقة تعانى من نقص شديدفى مياه الشرب، وأقل استغلال حالياً هو عمل محطة لمياه الشرب يكون مصدرها العينالسخنة، بعد تحليل مياهها بكترولوجياً لتمد منطقة مطروح بالمياه العذبة، بدلا منمحطات تحلية مياه البحر، التى تعتبر إلى الآن مكلفة للغاية، كما يجب دراسة البئرمن الناحية الهيدرولوجية لحساب معدل تصرفها اليومى ومخزونها من المياه حتى تكونالدراسة كاملة.
مُعِد التقرير لـ«المصرى اليوم»: لم أتوقع تجاهل توصياتنا حولاستغلال
«العين» .. وسكرتير عام «مطروح» رفض توصيل مياهها للمحافظة بسبب «١٧مليون» جنيه
أبدى الدكتور محمد عبدالمحسن خليل، المدير الأسبق لمعمل بحوث الأراضىالملحية والقلوية بالإسكندرية، غضبه الشديد مما وصفه بـ«تقاعس» الأجهزة التنفيذيةبالدولة عن تنفيذ توصيات التقرير الصادر بشأن «عين كيفارة»، مؤكداً أنه «فوجئ» بماكشفت عنه «المصرى اليوم» حول بقاء الوضع كما هو عليه فى هذه العين، منذ صدور تقريراللجنة فى نوفمبر ١٩٨٥.
وقال خليل- فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «أولاً ليس لى الحق فىالتعليق على الوضع الحالى لأننى أصبحت غير مسؤول الآن، حيث خرجت على المعاش منذفترة، ومن ثم فمن الناحية الوظيفية هناك من هو أصلح فى الرد على الموضوع». وأضاف:«هذه القصة بدأت حينما وردت معلومات للدكتور يوسف والى وزير الزراعة وقتها، عن هذهالعين، فشكل لجنة برئاسة الدكتور عادل البلتاجى، الذى كان يشغل منصب المنسق العاملمشروع الأراضى القحلة آنذاك، والذى بدوره أوفد لجنة مُشكّلة من الدكتور حسنإسماعيل، مدير عام قطاع الزراعة بمطروح وقتها، إضافة إلى مجموعة فنية تابعة لمشروعالأراضى القحلة، إلى العين السخنة (كيفارة)، حيث أجرت دراسات عليها، وجاءتنىبالنتائج، التى بناء عليها أعددت هذا التقرير».
وتابع «خليل» - الذى يعمل حالياً أستاذاً متفرغاً بالمعمل: «بعد عودةاللجنة من العين طالبنا باستغلال مياهها بشكل أمثل من خلال توصيلها إلى مطروح،خاصة أنها من المحافظات التى تعانى ندرة مائية، وكان سكانها فى هذا الوقت يشترونالمياه بمبالغ كبيرة، فعرضنا الأمر على اللواء يوسف الشامى، محافظ مطروح آنذاك،لكن أذكر أن سكرتير عام المحافظة فى هذا الوقت رفض بدعوى أن هذا المشروع سيكبدميزانية المحافظة ما يقرب من ١٧ مليون جنيه، وهو ما لم تستطع المحافظة تحملهأيامها، فاكتفينا بما جاء فى نص التقرير».
وجدد «خليل» تشديده على ضرورة استغلال هذه المياه، مؤكداً أنها«أنقى» من مياه نهر النيل، وأن عدم الاستفادة منها ومن التربة المحيطة بها، يتسببفى تحويلها إلى مياه «أشد ملوحة» من البحر المتوسط.