المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماء النيل



د / أحمد إبراهيم
25-10-2009, 09:08 AM
تزايدت معدلات تلوث مياه النيل بصورة غير مسبوقة، على نحو دفع العديد من الهيئات والمؤسسات الدولية إلى التحذير من خطورة استمرار هذه المعدلات على صحة الإنسان، وعلى الثروة السمكية، حيث كشفت الدراسات عن وجود نحو 350 مصنعاً تقوم بصرف نفاياتها في نهر النيل بواقع خمسة ملايين متر مكعب سنوياً، إضافة إلى المخلفات الصلبة التي تلقى في النيل أيضاً ويبلغ حجمها 14 مليون متر مكعب سنوياً، الأخطر من ذلك هو قيام 1500 قرية من قرى الصعيد بصب مياه الصرف الصحي مباشرة ودون معالجه في مياه النهر، هذا إلى جانب العائمات النيلية التي تلقي مخلفاتها في النهر.
كذلك فإن الأسمدة والمبيدات المستخدمة في الزراعة تتسرب إلى مياه الصرف وتصل إلى النيل، وتنتقل منه إلى الإنسان، سواء بصورة مباشرة عبر مياه الشرب، أو من خلال النبات والحيوان الذي يدخل في مكونات غذائه.
وقد كشفت دراسة مصرية أجريت على عينات مختلفة من مياه النيل قبل وبعد معالجتها، وجود نسبة مرتفعة من الأمونيا والمعادن الثقيلة، والأمونيا من المواد السامة بالنسبة للأسماك والكائنات المائية الأخرى حتى مع التركيزات المنخفضة، فعندما يكون تركيز الأمونيا في الماء 0.06 ملليجرام / لتر، فإنها تسبب في ضمور الأسماك، وعندما يكون تركيز الأمونيا في الماء ملليجرامين في اللتر، فإنه يتسبب في موتها، كما أن سمية الأمونيا بالنسبة للأسماك تزداد مع زيادة درجة حرارة الماء، حيث يقل تركيز الأوكسجين المذاب في الماء بارتفاع درجة الحرارة.
أما بالنسبة لتلوث مياه الشرب بالمعادن الثقيلة، فإنه يؤدي إلى إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض، فالزنك مثلاً يؤثر علي الجهاز العصبي والنخاع، والحديد يؤثر علي الرئتين والكبد، والكادميوم علي الجهاز العصبي والكلي، والنحاس علي الكبد والجهاز العصبي والكلي، والرصاص علي القلب والدم بوجه خاص والجهاز العصبي والكبد.. وفي كل الأحوال ينتهي الأمر بإصابة الشخص بالفشل الكلوي أو الكبدي أو حدوث خلل مزمن في الجهاز العصبي بجميع أعضائه ثم الوفاة.
وتبلغ كمية مياه الصرف الزراعي التي تصب في نهر النيل وفروعه نحو 13 مليار متر مكعب سنوياً، وهي تحتوي على بقايا الأسمدة كأملاح الفسفور والفوسفات والنترات والأمونيا والنتروجين ومواد عضوية ثابتة كبقايا المبيدات، والتي تبقى في المياه لفترات طويلة وتتركز في الأحياء المائية والحيوانات، مما يصيب الإنسان بأنواع مختلفة من السرطانات والأمراض الوبائية، وقد وصل استهلاك مصر من الأسمدة إلى أكثر من أربعة ملايين طن سنوياً ونحو 30 ألف طن من المبيدات، كما يبلغ عدد مصارف الصرف الزراعي على النيل 45 مصرفاً، تصب فيه مباشرة دون معالجة.
أما مياه الصرف الصحي التي تصب في النيل فتصل إلى 1.6 مليار متر مكعب سنوياً من أصل 2.4 مليار متر مكعب، تشكل إجمالي ناتج الصرف في مصر من المجارى المائية، وذلك من خلال 22 مصباً على النيل و12 مصباً على الترع و 68 مصباً على المصارف، كما توجد 1200 منشأة صناعية تتبع القطاع الخاص، و1182 منشأة تابعة لقطاع الأعمال العام، 320 منشأة تابعة لوزارات مختلفة، تؤدي إلى تلوث المسطحات المائية، منها 700 منشأة في 17 محافظة تلقى مخلفاتها المائية في النيل مباشرة .
الدراسات تكشف أن 74% من المنشآت الصناعية لا تعالج المخلفات السائلة و13% تقوم بمعالجه جزئية وأن 47% من المخلفات تلقى في نهر النيل في منطقة القاهرة الكبرى، و23% منها تلقى في الترع، و28% تلقى في المصارف، 3.5% تلقى في بحيرات التمساح والمنزلة ومريوط وقارون، وأن 1.2 مليون طن من المخلفات تخرج من 2700 وحدة صناعية بمنطقة شبرا الخيمة بالقاهرة، وهذه المنطقة هي مصدر مياه الشرب للقاهرة الكبرى، وبسبب زيادة معدلات التلوث في المياه، فإن محطات المعالجة لا تستطيع تخليص المياه من المواد الهيدروكربونية والكيماويات الأخرى التي تتفاعل مع الكلور المستخدم في تعقيم المياه، وتؤدي لتكوين مواد هيدرو كربونية مكلورة تسبب الأمراض السرطانية.
وتعد مخلفات مصانع الصابون والزيوت والملح والصودا والمبيدات الحشرية والحديد والصلب والأسمدة والسكر من أكثر الصناعات الملوثة للنيل، وتكفي الإشارة إلى أن مخلفات مصانع السكر تسبب ارتفاعاً كبيراً في الأكسجين الحيوي الذي يضيف أبعاداً خطيرة على الملوثات الكيمائية والبيولوجية الناتجة عن المخلفات الصناعية، والتي تؤثر بدرجة كبيرة على الثروة السمكية، وتؤدي إلى موت أنواع عديدة من الأسماك، حيث تشير الأرقام إلى انخفاض عدد أنواع الأسماك في النيل من 47 نوعاً إلى 14 نوعاً فقط نتيجة تلوث المياه، كما أن بعض الأسماك يظل حاملاً للمواد السامة التي تصيب الإنسان بالأمراض والتسمم عند تناولها. وهناك 12 نوعا من الديدان تصيب الأسماك النيلية بسبب التلوث، وتنتقل منها إلى الإنسان لتصيبه باضطرابات معوية وإسهال مزمن.
وتساهم الفنادق النهرية العائمة والمراسي في زيادة معدلات تلوث النيل، حيث يبلغ عدد وحدات الأسطول التجاري النهري نحو ثلاث آلاف وحدة، منها 200 باخرة سياحية و500 مركب لنقل الركاب و1600 مركب لنقل البضائع و300 لنش للنزهة، بالإضافة إلى 400 فندق تلقي بمخلفاتها في النيل مباشرة، مما يسبب العديد من أشكال التلوث، كالمخلفات الصلبة والصرف الصحي، حيث لا تكفى وحدات المعالجة الموجودة بهذه العائمات إلا لمعالجة 25% من حجم الصرف الصحي الناتج عنها.
كما يتلوث النيل بالزيت الناتج عن تشغيل هذه العائمات وتسرب المواد البترولية عنها، كذلك فإن هناك العديد من مصادر التلوث الأخرى مثل الأقفاص السمكية وما ينتج عنها من مخلفات علائق الأسماك، إضافة إلى ما يلقى مباشرة من مخلفات المنازل والحيوانات النافقة في النهر والترع والمصارف، ويصل إجمالي هذه المخلفات إلى نحو مليون و760 ألف طن.
وقد كشف استجواب ناقشه مجلس الشعب المصري مؤخراً، أن تلوث النيل هو السبب الرئيسي لاختفاء الثروة السمكية بمياه النهر، وانتشار الأمراض الخطيرة المسببة للوفاة، حيث تكشف التقارير أن معظم أمراض المصريين ناتجة من تلوث نهر النيل بالمخلفات الصناعية والزراعية السائلة والصلبة التي تؤدي إلى الإصابة بالبلهارسيا، وتليف الكبد، والفشل الكلوي.
وتشير هذه التقارير إلى أن 26% من المصابين بالفشل الكلوي وأن إصابتهم بهذا المرض ترجع إلى البلهارسيا، كما تبلغ نسبة الإصابة بسرطان المثانة 30%، إضافة إلى أمراض أخرى مثل التيفود والدوسنتاريا الأميبية والإسكارس والديدان الشريطية والدودة الكبدية، وترتبط هذه الأمراض بإلقاء المخلفات الآدمية غير المعالجة وبالعادات السيئة، كالتبول والتبرز والاغتسال في هذه المياه