المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى تفرغ الزجاجة؟



aouniat
23-04-2007, 12:23 AM
السلام عليكم. أهدي هذه القصة إلى أختي دعاء بشكل خاص وإلى باقي أعضاء المنتدى وأخص منهم شيرين التي أعانتني على القصة. ارجوا أن تنال إعجابكم خاصة بعد أن عدلت عليها عدة مرات... بانتظار النقد ...




متى تفرغ الزجاجة؟



كنت عائدا من العمل منهكا في الليل. انتظرت قليلا قبل أن أفتح الباب. فكرت مجددا بالحياة. كفرت. سئمت من الآلهة التي لا وجود لها. فتحت باب المنزل لأرى ذلك العجوز - كالعادة - جالس كالجثّة على الكنبة يحتسي --- أغلقت الباب وأدرت ظهري فأصبحت بمواجهته. كم أكرهه! لم ألق عليه التحية. تجاهلته نهائيا. لم أنظر إليه. دخلت بسرعة, وقلبي يخفق, وأعصابي ترقص على صوت طنين كرات الثلج. مررت بجانبه, راح يضحك بصوت عال ويقهقه. لم يسكت عن الضحك. دون أن أنظر إلى (الزجاجة) توقعت أنها شبه فارغة. لم أعد أخافه.

تكرر ذلك المشهد كثيرا في حياتي. لقد سئمت. لقد حفظت هذه الصورة غيبا. إنها الصورة المجنونة (http://f.zira3a.net/showthread.php?t=756). ترافقني أينما كنت. كانت كالخنجر الذي استباح جسمي. بات جسمي كالجيفة. تعيسة هي الحياة التي يكون مصيرنا معلق فيها بصورة مجنونة!!

لا تمر صلاة إلا وأسأل الله له الهداية والغفران. ترى ماذا يفعل أبي الآن؟ هل فرغت الزجاجة يا ترى؟

صور أخرى كثيرة وخناجر كانت تزيّن جدران ذهني. بعد أن توفيت والدتي - وأنا في السابعة من عمري - إعتزل أبي الحياة واتخذ إلها جديدا. الهوى. ترك عمله في تجارة القماش لفترة ثم حاول أن يجدد العهد ولكنه لم يفلح. أصابه المرض - الربو. اعتكف في المنزل. تزوج مرة أخرى - من زجاجة الخمر. أحبها ولم يعد يفارقها. غيّر مجال عمله ولكن الناس كانوا ينفرون منه ومن تصرفاته المجنونة. لم يعد هناك من يصرف علينا. أهل والدتي لا يعترفون بنا, ووالدي الوحيد لأبويه, فلم يبقى لي غير الله وأختي. بدأت ملامح أبي تتغير وتصرفاته راحت تفقد صوابها. أجبرني على العمل, فعملت بائعا للقماش. ظننت أن هذا سيخفف من ألمه الجسدي والنفسي لا أن يزيد من ألمي أنا, الجسدي والنفسي. كنت أعود أحيانا من العمل ليلا فيسألني أين المال الذي حصلت عليه, فأقول: "لم أتوفق في البيع". تكررت تلك العبارة عدة مرات حتى أنني دخلت عليه في إحدى الليالي وكان بحاجة ماسة إلى مال ليشتري به زجاجة جديدة, فأخبرته بأن السماء لم تمطر عليّ رزقا, فإذا به يكشّر عن أنيابة. الحمد لله, ولكن الأمور لم تقف هنا. إنتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة "العض". في البداية كان "يعضني" بقضيب الرمان في كل أنحاء جسمي. تعيسة هي الحياة التي يكون مصيرنا معلق فيها بعبارة!!

لم أعد أثق به. أصبحت أعصابي ترتجف عندما أتكلم معه. بدأت أقلق في الليل. منعتني طفلوتي البريئة من اليأس وكنت آمل بالتغيير كل يوم, فإذا به قد تحقق!! من السيىء إلى الأسوء. من مرحلة الوحش الأليف إلى مرحلة الوحش المفترس. من مرحلة "العض" إلى مرحلة التعذيب. تحول القضيب الذي كان يلعب به على جسدي إلى حديدة صلبة. جف الأمل وتبلل قلبي بالحقد. توقعت الأسوأ. ذات مرة عدت فيها ليلا من العمل وكان الوحش المفترس سكرانا. إختبأت لأن نهاري كان تعسيا. فقلب عليّ البيت حتى وجدني. فأنزل كل غضبه على حديدة صلبة وراح يكسرها عليّ. لو كنتم مكاني لأشفقتم على الحديدة!!

عرفت كلمة السر. ولكنني لم أتجرأ أن أبوح إليه بها مخافة أن يجن جنونه ويرميني بزجاجة فارغة كتلك التي أصاب بها رأس أختي, بعد أن حاولت منعه من الشراب, قبل أن تغادر المنزل. تعيسة هي الحياة التي يكون مصيرنا معلق فيها بكلمة سر لا يمكن قولها!!

غادرت أختي المنزل منذ عشرة سنوات. منعها من الزواج من شاب أحبته. حرمها من الدراسة. أرادها نادلة له. تمناها فريسة لمزاجه. ولكنها فلتت من بين أنيابه. هربت مع ذلك الشاب, وتزوجت منه في منطقة تقرب من ضيعتنا. كشّر عن أنبابه وحلف بإلهه أن يسفك دمها إن أمسك بها. كنت أتابع أخبارها حيث أنها أعطتني عنوانها قبل الرحيل. بعد شهور معدودة اتصلت بي لتقول أن زوجها قد طلقها ورماها في الشارع مع إبنها الذي كانت تحمله في بطنها. لم ترد العودة إلى المنزل. قالت أنها ستبحث عن عمل يسترها.

منذ شهرين, استيقظت في منتصف الليل على صوت صراخ. قمت من فراشي مسرعا نحو مصدر الصوت فوجدت العجوز كالجثّة جالسا على الكنبة والزجاجة في يده ويبدو عليه الموت. كان يضحك ويحكي مع نفسه ورائحة الدخان إقتحمت زوايا الغرف. قبل أن أدخل غرفتي ثانية عاد الصراخ ولكن هذه المرة اكتشفت أن أحدا يخبّط على الباب. توجهت لكي أفتح الباب. مررت بجانبه فراح يهلوس. كالعادة - (الزجاجة) شبه فارغة. فتحت الباب فوجدت رجلا غريبا, لم أستطع أن أميّز وجهه عن الليل.

سألني "من تكون؟"
قلت "ما خطبك؟".
قال "دلوني إلى هذا المنزل. لقد تعبت. أريدك أن تلقي نظرة على هذه --".

خرجت معه إلى السيارة ووجدت أختي نائمة على المقعد الخلفي.

قلت "أختي !! .. ما بها؟"
قال "وجدناها مطروحة على الطريق. قال الطبيب أنها كانت تعاني من مرض حاد بسبب سوء التغذية".
قلت "تقصد أنها --؟"
قال: "نعم".

رحل الرجل. تمالكت نفسي. لم أستطع. بدأت قدماي ترتجف. زاغ بصري. بلعت ريقي بصعوبة. ضاق مجرى الهواء في حنجرتي. حملت الجثة إلى الداخل. اقتربت من ذلك العجوز ووقفت أمامه ونظرت في عينيه الفارغتين ساكتا. نظر إليّ مندهشا والزجاجة بيده. صرخت فيه والبكاء يملىء فمي: ألم تفرغ (الزجاجة) بعد؟ .. بدا عليه الرعب والحيرة. صعق. تلعثم مزاجه. حاول البكاء. ضحك. لم يرد. نظر إلى الكأس الفارغ بتعجب. ذبلت عيناه. أمسك بيد أختي, ثم قال بصوت حزين: "أريد زجاجة أخرى".

في تلك اللحظة. ضاق مجرى الهواء في حنجرتي. انقطع الدمع من عينيّ. بلعت ريقي بصعوبة. احمرّت عيناي من الحزن. تذكّرت الحديدة. كدت أمسك بالزجاجة الفارغة وأنزل عليها غضبي ولكن الشفقة منعتني. تركته على الكنبة يعوي ويهلوس وخرجت من المنزل.

خرجت لأجد من يغسلها. في اليوم التالي صلينا عليها ودفناها. ذلك العجوز لم يحضر. عدت بإتجاه المنزل. خانتني قدماي. غيّرت مساري. تركت المنزل. غيرت مساري مرة أخرى. إلتزمت. تعيسة هي الحياة التي يبقى مسارنا فيها كما هو!!

MOHA
23-04-2007, 01:04 AM
قمة الحب أن يجبرك الصمت على الكلام ....
فيعجز الكلام عن التعبير فتصمت !!!




مشكوررررر


اذاكان ما للموت بد فمن العار ان تموت جبانا

رشا حسن علوان
23-04-2007, 11:16 AM
لـيـســت الـفـرصــة بـابـاً يـفـتــح لـك بـل هـي خـطــوه جـريـئــة تـقـــوم بـهـا

الى صاحب العلاقة
(( تعيسة هي الحياة التي يبقى فيها مسارنا كما هو ))
من الرائع انه قدر يغير مساره ويلتزم بطريق هو أختاره
وهاي الخطوة الجريئة الي عملها بدون تردد وتفكير
الي كتبته حقيقه وواقع بكثير من البيوت وبيعكس
كثير قضايا وتثير تساؤل الفرد عن امكانية تغير الواقع
المر الي بيعيشه ...
الله يعين صاحب العلاقة
وبهنيك وتسلم اليد الي تكتب أخ عوني
تحياتي
:grin:

Jamal_Abazid
23-04-2007, 12:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

صبحكم الله بالخير ...

الشكر لله دائمــا ,,,

مشكور أخي عوني على التعب المبذول ..

لي عودة للنقد و أرجو أن تكون رحب الأفاق ومتسع الصدر للقبول بالنقد البناء ..

أختر لون النقد الذي تحبه من الصورة للبدء فيه .

http://img81.imageshack.us/img81/9730/knivesmm6.jpg


مع مودتي وأحترامـي / جمال

aouniat
24-04-2007, 12:30 AM
مشكور أخي موها على المرور .. أنا موجود وبتابع أعمالك وأعمال الأعضاء ولكن مشاركاتي قليلة فهذا كا ما في الأمر..
:grin:

أختي رشا إن شاء الله عم تعجبك المواضيع؟ أختي الحياة مهما كانت صعبة لابد أن نأخذ خطوات في تغييرها.. قد نظل تحت سلطتها سنة أو سنتين أو عشرين سنة ولكن في النهاية لا بد لنا أن ننتفض ونثور على انفسنا.. مشكورة على متابعة مواضيعي ويا ريت أستفيد من نقدك.
:grin:

أستاذي جمال, أختار اللون الأحمر !! (على صوت واطي) فهمت عليّي صح؟
:grin:

دعاء
24-04-2007, 10:42 AM
موضوعك جدا جميل واشكرك على هذا الاهداء
لكن الاجمل منه هو صورة الياس/الصوره المجنونه
فعلا انك فنان موهوب

shereen
25-04-2007, 09:08 PM
عندما نكتب نفكر فنعبر فنغير... عندما نسكت نقتل الفكر نكبح الالهام و نبقى كما نحن بدون تقدم او تراجع في حالة جمود او ركود...

المحاولة او المغامرة الفكرية ليست بالسهلة و لكن المهم ان الكاتب يرضى بهذا النتاج بغض النظر عن النقد

النص ليس بالبسيط خصوصا و ان زميلي عوني استعان بعدة طرق للتعبير عن الافكار منها التعابير المجازية و التشابيه و الاستعارات التي تغني النص بالاضافة الى الحوار الذي يزيد من واقعية الحدث و يظهر الحالة النفسية للشخصيات..

يبقى ان النص يعبر عن واقع الاسرة المشتتة بفعل غياب التفاهم و الاحساس بالاّخر بين افراد الاسرة الواحدة و هذا موضوع يمس كل عائلة في كل زمان و مكان...

شكرا لاخي عوني و لكل منتج فكري...

aouniat
26-04-2007, 09:26 PM
أختي شيرين, بالفعل النص يعبر عن حالة عدم إستقرار في أسرنا. الزجاجة التي أتكلم عنها هنا ليست بالضرورة زجاجة خمر. كما لاحظتي فقد كتبت كلمة زجاجة بين قوسين لألفت النظر إلى أن الزجاجة هنا زجاجة معنوية. في كل بيت تقريبا هناك زجاجات يحملها الآباء أو الأبناء وينتظر بعضهم بعضا لكي تفرغ.

الشاب الذي يشرب المخدرات هو يحمل في يده زجاجة .. ينتظر الأهل أن تفرغ الزجاجة ..
الفتاة التي أجبرها والدها على الزواج من شاب لا تحبه .. تنتظر أن تفرغ الزجاجة ..
العجوز الذي ..
المريض ..
إلخ ..

الزجاجة هي تعبير عن ما نحمله في داخلنا من صبر على البلاء.

القصة تعبر عن يأس أحاط بنا بفعل ضغوطات خارجية. قد ننتظر أن يتغير هذا الواقع من حولنا لكي نتحرر من الضغوطات. ولكن علينا أن نضع في بالنا أن الواقع قد لا تتغير, والإنتظار عندها لن يجدي نفعا, لذلك يجب أن نكون مستعدين للإنتفاض وتغيير هذا الواقع بأيدينا.

شكرا أختي شيرين على تعليقاتك المفيدة التي تضعيها بين ايدينا دائما ويارب تكون القصص التي أكتبها تعجبك على الدوام ..