المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جوانب من حياة النمل(للدكتور رمضان مصري هلال)



محمد العشوة
28-02-2009, 12:50 AM
جوانب من حياة النمل

يوجد النمل تقريباً في كل متر مربع على سطح الأرض فهو يغزو البيئات الطبيعية والزراعية والحضرية ويمثل ثلث الحيوانات الموجودة بالتربة ففي غابات السافانا الأفريقية يوجد أكثر من 20 (مليون حشرة/ هكتار) أكثرها يكون غير ملحوظ.
ويعيش النمل في أعشاش تحت الأرض، وفي حجرات يتصل بعضها ببعض، وهو بذلك لا يحتاج إلى الأجنحة ولكنه استعاض عنها بالحركة والنشاط، ولا يطير سوى الملكات والذكور في طيران التزاوج.
وعالم النمل مليء بالأسرار واللقطات الفريدة التي تفيض بوحدانية الخالق ـ عز وجل ـ وبالرغم من ضراوته في الهجوم، واستماتته في الدفاع، نجد أن هناك علاقات مشتركة بين النمل وغيره من الكائنات، حيث يستفيد كل منهما من الآخر مثل علاقة المعايشة بين النمل وحشرات المن وأبناء عمومتها من حشرات الجاسيد، وأساس هذه العلاقة ما تقدمه هذه الحشرات من إفرازات لذيذة الطعم (الندوة العسلية) وفي المقابل يقوم النمل بحماية هذه الحشرات من أعدائها، بل إن بعض أنواع النمل يحتفظ في أعشاشه ببيض أنواع معينة من المن تقضي بياتها الشتوي على هيئة بيض، ومن الطريف أن النمل يبذل عناية فائقة بهذا البيض حتى يفقس منها المن ويضعه النمل على النبات المناسب ليتغذى وينمو ويفرز السائل العسلي التي يتغذى عليها ويحبها النحل.
وللنمل حواس حادة للمس والشم والتذوق ومراكز هذه الحواس منتشرة على جميع أجزاء الجسم هي مركزة على قرون الاستشعار وتستخدم النملة هذه القرون لفحص الأشياء ولنقل المعلومات بين أفراد المستعمرة. ومن بين أنواع النمل يوجد 50 نوعاً فقط هي المعروف صلتها بأنشطة الإنسان، فهي آفة خطيرة بالحقول والبساتين على مستوى العالم، كما أنها تعيش داخل المنازل وفي الأخشاب.
إن النمل حشرة ناجحة بالمناطق الحضرية لأن لها القدرة على استخدام أي نوع من الغذاء، فهي تأكل العديد من المواد النباتية والحيوانية وأغلبها يفضل الغذاء الغني بالسكريات والكربوهيدرات والزيوت والبروتين. وبعضها يفترس الحشرات الأخرى والعناكب، وكثير من أنواع النمل يزور الأشجار لجمع الرحيق وكذلك الندوة العسلية التي يفرزها المن والحشرات الثاقبة الماصة. وشغالات النمل لا تأكل الغذاء الصلب ولكنها تستخدم فكوكها العلوية القوية لسحقه.
أفراد طائفة النمل:
إن طائفة النمل تنقسم إلى طبقات هي الشغالات والذكور والملكات وكل منها يقوم بأداء وظائف معينة.
الشغالات:
تكون الشغالات الجزء الأكبر من المستعمرة، وشغالة النمل عديمة الأجنحة ورؤوسها الكبيرة وأعينها مختزلة إلى حد كبير، يمكنها اللسع في بعض الأنواع. والشغالات تؤدي أغلب وظائف المستعمرة بما في ذلك جمع الغذاء والعناية بالأطوار غير البالغة ونظافة وحماية العش، وهي إناث غير خصبة وتمتد حياتها من عدة شهور إلى عدة سنوات.
في بعض الأنواع مثل نمل الأخشاب توجد الشغالات كبيرة الحجم وأخرى صغيرة الحجم، فالشغالات الكبيرة تزيل الأحجار من الممرات وتدافع عن العش، أما الصغيرة فتجمع الغذاء وترعى الغذاء أما الأنواع التي شغالتها من حجم واحد فإن العمل يقسم حسب العمر.
وشغالة النمل إناث لها أعضاء تناسلية ضامرة، عديمة الأجنحة، أعينها مختزلة إلى حد كبير، ورؤوسها كبيرة، وهي تعتني بالصغار عناية فائقة فهي تغذيها وتنظفها وتلعقها باستمرار، وهناك نوع من الارتباط الخاص بين الشغالة لليرقة أنواعاً مختلفة من الغذاء، وتستجيب اليرقات وتفرز نقطاً من اللعاب أو من إفراز آخر يمتصه النمل.
الأفراد التناسلية: الذكور والملكات
وتلقح الملكة مرة واحدة فقط ولكنها تضع البيض حتى نهاية حياتها وهي تعيش من (1 ـ 15 سنة) حسب النوع، والشغالات هي التي تنظفها وتعتني بها، وبعض الطوائف يكون بها أكثر من ملكة واحدة فقط تصل من 10 ـ 30 ملكة، ويعيش الذكر فترة قصيرة بعد تلقيح الملكة، وفي بعض أنواع الذكور والملكات ذات الطيران الضعيف يتم التلقيح في العش أو على سطح الأرض خارج العش.
الأطوار غير البالغة: (بيض ـ يرقات ـ عذاري):
تضع الملكة بيضاً صغيراً جداً تأخذه الشغالة لمكان ما بالعش (حجرة الحضنة) حيث تعتني باليرقات والعذارى بعد الفقس وعند وجود أي خطر يهدد العش تنقله لمكان آمن.
تاريخ حياة النمل:
يمر النمل في نموه وتكوينه بتحول كامل تماماً فالفترة بين البيضة والحشرة الكاملة تتخللها دائماً أطوار شديدة التباين من اليرقات والعذارى، والمدة التي تستغرقها دورة الحياة للفرد تتراوح في الأنواع المختلفة من أسبوع إلى عدة أشهر، أو ربما لأكثر من ثلاث سنوات ولكن عمر العذراء يكون قصيراً نسبياً إذ يندر أن يزيد على أسبوعين أو ثلاثة. تتراوح كمية البيض التي تضعها الملكة بين عدة مئات أو عدة آلاف حسب نوع النمل.
وبالرغم من أن النمل يأكل بيضه فإن هناك زيادة كبيرة في عدد سكان المستعمرة حيث إنه يفوق كل الحيوانات الأخرى في إخلاصه للجيل الصاعد، واليرقات تتكدس في غرفة تربية مرتبة حسب عمرها تقوم الشغالات بحملها باستمرار من أحد أجزاء العش إلى الجانب الآخر بحثاً عن المكان المناسب لها من حيث درجة الحرارة والرطوبة واليرقات. وفي مجموعات النمل الأكثر بداءة تقوم دائماً بنسج شرانق قبل تحويلها إلى عذارى، أما النمل الأكثر رقياً فتكون العذارى فيه عارية بدون استثناء تقريباً، ولكن في بعض الأحوال التي لا يصنع فيها شرانق تحتفظ اليرقات بمقدرتها على إنتاج الحرير والذي يكون له فائدة أخرى في غاية الأهمية حيث تحول بواسطة الشغالة إلى لصق الأوراق مع بعضها البعض لعمل الأعشاش.
التكاثر (تأسيس الطائفة) ونظام الطبقات في النمل:
إن تكوين مستعمرة (طائفة) جديدة للنمل يتم بطريقتين إما عن طريق تلقيح ملكة جديدة أثناء الطيران أو عملية تطريد، والتزاوج يحدث في الهواء وكثيراً ما يحدث بين أفراد المستعمرات المختلفة وتهبط الملكة الملقحة بعد التزاوج إلى الأرض مرة أخرى وأول شيء تفعله هو تحرير نفسها من أجنحتها وهي تفعل ذلك بتحريكها إلى الخلف وإلى الأمام أو بحكها بسوق النباتات، وبشدها بأرجلها وفكوكها حتى تكسرها وتتغير غرائزها وتبتعد عن ضوء النهار وتسرع في النزول تحت الأرض، وتأخذ الملكة من الذكر قدراً من الحيوانات المنوية تكفيها طول حياتها وعندما تهبط إلى الأرض فإنها تفعل عادة أحد أشياء ثلاثة: إما أن ترجع إلى عشها الأصلي، وإما أن تدخل عشاً آخر غير عشها الأصلي، وإما أن تبني لنفسها عشاً جديداً، والطريقة الأخيرة هي الطريقة المتبعة عادة فتحفر الملكة فجوة وتظل في عزلة حتى تتهيأ لوضع البيض وتعيش الملكة أثناء هذه الفترة التي قد تطول لعدة شهور على الغذاء المختزن في جسمها وذلك حتى تبقى على حياتها وعضلات أجنحتها المكسورة الضامرة مصدراً للمواد الغذائية المخزونة، وتبدأ الملكة في وضع البيض وعندما تفقس البيض تقوم بتغذية اليرقات الناتجة، وبذلك فهي تعتني بالجيل الأول من الشغالات الذي يعتني بباقي الحضنة بعد ذلك وبذلك تتزايد الشغالات وتربي الملكات والذكور وتتكون الطائفة.
وبعد خروج الشغالات فإن أول ما تفعله هو الخروج من تحت الأرض حتى تتمكن من الاتصال بالعالم الخارجي وتخصص الملكة بقية حياتها لوضع البيض تاركة لخلفتها من الشغالات أداء جميع الوظائف الأخرى التي يحتاجها العش وتعيش الملكة طويلاً وتتخصص بالتتابع مجموعة من الشغالات تتولى تغذية الملكة والعناية بها في العش من سائل ترجعه من أفواهها.
وبصفة عامة فغن مستعمرة النمل ذات ملكة واحدة وعدد كبير من الشغالات وقليل من الذكور كما هو الحال في النحل، واليرقات يمكنها التحول إلى أي طبقة متوقفاً ذلك على الجنس والغذاء.
وفي بعض أنواع النمل من Dorylinar Pnerinae ليست للملكة أجنحة وتبقى في العش وتبحث عن الذكور المختبئة وتجذبها عن طريق الفرمونات لتلقيحها وفي نوع آخر من النمل لا يتم التلقيح إلا بعد أن تفقد الذكور أجنحتها وبذا تنضج جنسياً وتقوم بتلقيح الملكة.
ذكاء السرب
لقد دفعت الحشرات التي تعيش في مستعمرات ـ كالنحل والنمل والزنابير والأرضة ـ الباحثين من علماء الطبيعة حتى الفنانين أن يتسائلوا عن أشياء كثيرة محيرة حتى كتب الشاعر البلجيكي موريس ميترلئك يقول:( من ذا الذي يحكم هنا؟ ومن ذا الذي يصدر الأوامر ويستشف المستقبل؟ ويرسم الخطط ويحافظ على التوازن؟ إنها حقاً أسئلة محيرة. يبدو أن لكل حشرة في أية مستعمرة جدول أعمال خاص بها، ومع ذلك فإن المستعمرة في مجموعها تبدو على درجة من التنظيم، ومن الواضح أن التكامل التام بين جميع الأنشطة الفردية يتم دون حاجة إلى أي إشراف، وفي الوقع أن العلماء المشتغلين بدراسة سلوك الحشرات الاجتماعية قد وجدوا أن التعاون على مستوى المستعمرة هو بالدرجة الأولى مسألة تنظيم ذاتي، ففي حالات عديدة ينشأ التنسيق عن تأثيرات لأفراد فيما بينها، وعلى الرغم من أن هذه التأثيرات تكون بسيطة (كأن تقتصر إحدى النملات على اقتفاء الأثر الذي تركته أخرى) فهي في مجموعها يمكن أ، تحل مشكلات صعبة (مثل اكتشاف أقصر طريق إلى مصدر الغذاء من بين مسارات لا حصر لها)، وهذا السلوك الاجتماعي الذي يتحلى لدى مجموعة ما من الحشرات الاجتماعية ـ قد أطلق عليه اسم : (ذكاء السرب).
لغة التواصل بين الحشرات
إن للحشرات لغة تفاهم كل نوع بين بعضهم البعض فهناك التواصل بالرؤية، فالألوان الموجودة على الأجنحة لها أدلتها للتعارف، والرقص في عالم النحل له مدلوله ومعناه، والضوء الذي تصدره بعضا لحشرات له معنى ومغزى لا يفهمه إلا أفراد نوعه. والأصوات التي تطلق الحشرات والتي تأخذ أنماطاً معينة، وقد يكون بقصد التزاوج وإنتاج النسل، أو للتجمع ولم الشمل أو بقصد الإنذار أو التحذير.
وهناك التواصل عن طريق إفراز بعض المواد الكيميائية (الفيرمونات) لتحديد خط السير كما في (النمل)، أو التزاوج (كما في الفراشات)، أو للتجمع للهجرة (كما في الجراد).
فالحيوانات لها لغتها ولها تسبيحها الخاص بها الله الواحد القهار سواء كانت صغيرة أم كبيرة تعيش تحت سطح الأرض أو فوقها أو تعيش في الماء أو الهواء.
وصدق الله رب العالمين القائل: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (الإسراء 44). وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه، فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة) ؟! (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية (فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح). ويحكي لنا الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قصة النملة التي شاهدت سيدنا سليمان وجنوده وهم يجتازون الوادي الذي تعيش فيه، فما كان منها إلا أن طلبت من رفاقها أن يدخلوا مساكنهم تحت الأرض حتى لا تدوسهم الأقدام، وفي ذلك يقول الحق ـ سبحانه وتعالى ـ: (حتى إذا أتوا إلى وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون). النمل 18
في هذه الآية الكريمة يبين لنا المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن هذه المخلوقات التي خلقها الله وسخرها لنا ما هي إلا أمم أمثالنا لها نظامها وحياتها، وتخطيطها ومعيشتها ولغتها وصدق الحق ـ سبحانه وتعالى ـ إذ يقول: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم).
هذا الموضوع منقول للدكتور رمضان مصري هلال قسم الحشرات الاقتصادية - كلية الزراعة بكفر الشيخ (مصر)