الثورة الكبرى في البحيرة :
أحس الجنرال مينو بالخطر قبل أن تهب العاصفة فبعث الى نابليون بتاريخ 15 فبراير يقول:[بدأنا نشعر باختمار فكرة الثورة في البلاد المجاورة لرشيد و اخذ أهالي بعض القرى الثائرة يهددون الملاحة في النيل ].
وقد كان نابليون انشأ ديوان القاهرة وكان الشيخ الشبراخيتي و الشيخ الدمنهوري بالنيابة عن إقليم البحيرة في هذا الديوان إلا أن ذلك لم يحد فكرة الثورة. ص109
فلما كان شهر مارس كانت الثورات أهلية قد اشتعلت نيرانه في الإسكندرية و رشيد و ما حولهما (على ضفتي النيل قرب رشيد:برنبال و مطوبس و كفر شباس عمير و القنى و السعدة ).
و في ابريل سنة 1799 اشتد اوار الثورة في البحيرة على اثر ظهور مجاهد مغربي أخذ يحض الناس على الجهاد ضد الفرنسيين أعداء الله فالتف حوله أولاد علي والهنادى(قبائل عربية كانت تسكن البحيرة)و الفلاحون من جميع القرى و زحف بالمجاهدين حتى وصل الى دمنهور يوم 25 أبريل 1799 و كانت حاميتها بقيادة مارتان فانقض المجاهدون على رجاله حتى أفنوهم.
كثرت عمليات الجهاد بعد هذا النصر و مرت دورية الكولونيل لوفيفر لجباية و تحصيل الغرامات فوصلت الى دمنهور بعد انكسار حاميتها ثم ولت وجهها شطر الرحمانية أقامت عند قلعة الفرنسيين في المكان الذي تبدأ منه ترعة الإسكندرية،و انتظر المدد من الإسكندرية فوافته قوة على رأسها (ريدون) فالتقت بجموع المجاهدين البحراوية قبل الرحمانية و دام القتال بينهم خمس ساعات انسحب بعدها ريدون فعهد الى (مارمون) بانقاذ الفرنسيين في الرحمانية فترك في رشيد حامية كافية لقمع الثورات ثم سار الى الرحمانية .
و في 3 مايو من نفس العام التحمت القوات الفرنسية في قتال مع المغربي و جموعه عند سنهور القريبة من دمنهور و كانت – وفقا للمصادر الفرنسية – معركة شديدة الهول ،لان المغربي كان يقود جيشا من المجاهدين المتطوعين غير النظاميين قوامه خمسة عشر آلفا من المشاة واربعة آلاف من الفرسان من المتطوعين كلهم من الفلاحين والمشايخ والأعيان و عرب البحيرة و لم يكن فيهم أحد من المماليك ،و استمرت المعركة سبع ساعات حتى ارخى الليل سدوله و كان مع المجاهدين مدفع غنموه من الفرنسيين في معركة دمنهور ظلوا يستعملوه ضد الفرنسيين فيحصدهم حصدا ( مدفع واحد في أيدي المجاهدين غير المدربين يزلزل عشرات المدافع في جيش القائد الأسطورة نابليون بونابرت فسبحان الله مالك الملك يعز أولياءه ويذل أعداءه والله اكبر ولله الحمد)، و ارتبك القائد الفرنسي لوفيفر وأوشك على الانسحاب من المعركة و الارتداد من سنهور الى الرحمانية فلم يرى بدا من اقتحام صفوف المجاهدين حتى خرج من هذه المجازفة و قد تكبد اكبر الخسائر من جرائها كما منَّ الله على المجاهدين بان اتخذ منهم ألفين شهيد (ألحقنا الله بهم في جنة الفردوس)كان منهم الشيخ عبد الله الشوربجي و عبد الله باش من مشايخ دمنهور المجاهدة المنسية كما استشهد مراد عبد الله شيخ عرب الهنادي.
و كتب الله النصر للمجاهدين و ارتد الفرنسيون الى الرحمانية فقصد اليهم المجاهدون يتبعون أثرهم فلما رأوا انهم في موقع منيع عادوا الى دمنهور و جعل منها الشيخ المغربي مقر قيادته.
فيا للحسرة و الآسي حين يتشدق جاهل بغير علم و يفتي بان هذا الشعب ميت لا أمل فيه متجاهلا التاريخ و أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم- الذي قال عن الشعب المصري انهم في رباط الى يوم القيامة و انهم خير أجناد الأرض وان أرضهم أرضا مباركة و أن نيلهم ينبع من الجنة –مما يجعل ذلك المتشدق بغير علم خادما للصهيونية بغير اجر يزرع اليأس في النفوس و يبغض للمصريين أنفسهم و هو لا يعلم أن من يبغض نفسه واصله يهوي به الشيطان في مكان سحيق و سبحان القائل في كتابه العزيز على لسان نبيه يعقوب
(انه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون)
اما آن الأوان أن نتقي الله في حصاد ألسنتنا و أن لا نقول الكلمة لا نلقي لها بالا كما حذرنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وان لا نكون امعات نردد كالببغاوات آراء الغير الذي قد يكون رأيه صادرا-لو افترضنا حسن النية – عن اجتهاد خاطئ فيثاب هو و نأثم نحن ، و إني لأعجب من رجل يتحرج من غيبة شخص فيبهت شعب بكل أجياله على مر التاريخ السابق منهم و اللاحق و الغريب ان البعض يتجرأ على ذلك و هو لا يعلم أن اصغر حاره في مدينته التي يقيم بها رويت بدماء العشرات من الشهداء في فترة يصفها المؤرخون بأنها من أحط فترات التاريخ المصري فما بالنا بفترات السمو
أفلا سكتت السنة الجهلاء أنصتت أذنهم و تابت قلوبهم و وعيت عقولهم وفهموا ما هو آت :
المجـــــزرة :
(قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود*إذ هم عليها قعود و هم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود و ما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد* الذي له ملك السموات و الأرض و الله على كل شيء شهيد* إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبو فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق)
صدر الأمر الى السفاح (لانوس)بمغادرة ميت غمر في 5مايو1799لقمع الثورة الكبرى في البحيرة ، وصدع بالأمر و التقى في طريقه بقوة أخرى يقودها السفاح (فوجيير)فتقدمت هاتان القوتان معا الى الرحمانية و واصلت تقدمها الى مسرح الجريمة (دمنهور) حيث قامت المعركة الفاصلة و أسفرت عن هزيمة المجاهدين بقيادة المغربي وتمكن المجرمون أنصار حقوق الحيوان من اقتحام مدينة دمنهور و إحراقها و تخريبها مرتكبين ابشع الجرائم ضد السكان المدنيين العزل مكررين بذلك سيرة أصحاب الأخدود حيث قام الأوغاد الأنذال بحرق البشر أحياء في البيوت وفي الشوارع و ها هو أحد السفاحين القتلة مرهفي الحس أرباب الحضارة (ريبو) يقول :صارت دمنهور في يوم 6مايو ركاما من الحجارة السوداء المختلطة بأشلاء القتلى و دماء الشهداء .
و صدق الحق إذ يقول (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم و تأبى قلوبهم و أكثرهم فاسقون)
و من اشد العجب أن هذه الجرائم الشنعاء كانت مفخرة على ألسنة الفرنسيين كما نصت على ذلك رسالة (لوفيفر)الى (دوجا) في 10 مايو، و رسالة السفاح المجرم (لانوس)الى دوجا من الرحمانية يقول [و الآن.. لم يعد لدمنهور وجود فقد قتل من أهلها نحو ألف و مائتين أو ألف وخمسمائة ماتوا قتلا أو حرقا ] أين أنت يا حمرة الخجل
و قال سفاح فرنسي آخر : ما أبقينا فيها(دمنهور) حجرا فوق حجر.
و حدث مثل ذلك في ميت غمر و طنطا.
صدق او لا تصدق احتفلت مصر رسميا بمرور قرنين على الجملة الفرنسية و عندما سئل أحد المسئولين عن ذلك برر الموقف بأنه احتفال بالعلاقات الثقافية بين الشعبين و ليس احتفالا بالحملة نفسها و نعلق نحن على ذلك بأن العلاقات الثقافية كانت ساخنة جدا في دمنهور و وصل التفاعل الثقافي الى منتهاه بحرق البشر أحياء و لا حول و لا قوة الا بالله
و نعود مرة أخرى لرواية تاريخ الحملة :
ثم بعد ذلك أمر نابليون بجمع معظم قيادات الحملة في البحيرة و أمر (دو مارتان) بتحصين الساحل فيما بين رشيد و أبى قير و الإسكندرية فلقي حتفه في رشيد متأثرا بجراحه من الرصاص الذي أطلقه عليه أهالي طنوب و الزعيرة و هو يستقل سفينته في النيل.
و وصلت المراكب التركية من الإسكندرية الى أبى قير و نزل عثمان خجا الى قلعتها ومعه مصطفى باشا ، و أطلقت النيران على الفرنسيين الذين كانوا بالقلعة و استولى عليها الأتراك و اسروا من كان بها .
و في هذه الفترة كان نابليون في الرحمانية و منها اصدر منشوره المعروف يحذر فيه المصريين من الروس القادمين من موسكو و يذكرهم بأنهم أعداء الإسلام ( كم كان يحب الإسلام والمسلمين)و يهدد فيه المصريين أيضا بأشد أنواع العقوبة كما فعل( بأهل دمنهور و غيرها من بلاد الاشرار)
و في اليوم التالي انتصرت الحامية الفرنسية بابو قير على حامية مصطفى باشا و استولوا على القلعة و سيق مصطفى باشا الى الجيزة أسيرا و عثمان خجا الى الإسكندرية ثم أعيد الى رشيد حاسر الرأس حافي القدمين و طافوا به شوارع المدينة و الطبول من حوله حتى أوصلوه الى داره و عندها حزوا رأسه وعلقوه على أحد نوافذها و تركوه ليراه المارة بالسوق إرهابا لأهل رشيد (هكذا فعل رواد التنوير المتباكين على ذبح المسلمون للخراف في عيد الأضحى المبارك) و لكن هذا الفعل آتى بنتيجة عكسية كما ورد في بعض المصادر حيث فرح
أهل رشيد بهذا الإعدام لان عثمان خجا كان شديد الظلم لأهل رشيد.
وفي اغسطس من نفس العام هرب نابليون من مصر و ولي الحملة لكليبر (الذي قتله المجاهد سليمان الحلبي فيما بعد) .
و استمرارا في سياسة تضليل الشعب المصري والتغرير به التي اتبعتها الحملة فقد قام الجنرال مينو بإشهار إسلامه و بدا يشارك المسلمين في شعائرهم الدينية في مساجد رشيد و تزوج من فتاة رشيدية و انجب منها ولدا سماه سليمان و قيل انه اختار له اسم سليمان الحلبي قاتل سلفه الجنرال كليبر تملقا لعواطف المصريين و المسلمين منهم خاصة.
و من المعلوم أن مينو قد ترك زبيدة بعد الجلاء الفرنسي عن مصر سنة 1801 في تورينوا بإيطاليا و يستغرق في مجونه و خلاعته مع الراقصات و يهجر زبيدة فتموت كمدا ، وكان إسلامه لم يكن إلا مجرد خدعة .

اسطول الانجليز القى مراسيه في الاسكندرية و دكها بمدافعه و نزل العدو الى المدينة فاشعل الحرائق فيها عمر باشا لطفي و الخديوي في قصره ينتظر مجيء أحلافه الانجليز لينصروه على عرابي الثائر باسم الفلاحين على الظلم و التفرقة العنصرية لصالح الاجانب (امتيازات الاوربيين + الجراكسة و الارناؤط)
و ادرك عرابي ان العدو قد دبر خطة لاحتلال مصر و انه في طريقه من الاسكندرية الى القاهرة عبر البحيرة فاعد للأمر أهبته و جعل للحرب ميدانين: الغربي اولا : و مركزه كفر الدوار و ثانيا ميدان الشرقية عبر قناة السويس .
و انتقل عرابي(ناظر الجهادية)الى كفر الدوار و اتخذ منها مقر القيادة للجيش و الشعب و في الوقت نفسه جعلها مقر الحكومة المصرية الجديدة والقائمة باسم الشرع (الشريعة الاسلامية).
و استطاع المجاهدون تحصين مواقعهم بالبحيرة تحصينا جيدا مكنهم من الصمود في وجه الانجليز ما يزيد على خمسة اسابيع و ارسل عرابي الى المديرين و المحافظين فبعثوا اليه بخمسة الاف جاءوا من الغربية و المنوفية والبحيرة و هم الذين قاموا بعمل الاستحكامات تحت اشراف قائد منطقة كفر الدوار : طلبة عصمت.
و جعل المجاهدون ثلاثة خطوط رئيسية للدفاع :و كان ثالثهما يمتد من ابو حمص الى دمنهور و كانت هذه الخطوط محاطة بأرض غير سالكة بسبب الاوحال و المستنقعات حيث تم قطع ترعة المحمودية .
و كان على رأس الخط الاول قلعة سميت ( قلعة الاسلام ) و كانت -كما وصفها بعض الانجليز –أجمل القلاع شكلا و اقواها بناءا و احكمها موضعا و هنا نكتشف كيف ان العرابيين قد ربط بين سقوط مصر في يد الانجليز و هزيمة الاسلام لم لا ؟ الم يتعاهد تلامذة الافغاني على تحكيم الشرع في هذا البلد المسلم ، و كان ايضا بين ابوحمص و دمنهور تل يمتاز على غيره من التلال بارتفاعه و اتساعه اتخذ منه عرابي ظهيرا في حالة الارتداد الى دمنهور .
و كانت دمنهور في اقصى درجات المنعة لحشد المدافع الكثيرة بها وتخزين المؤن والذخائر بها و جعلوا عليها عددا ضخما من المجاهدين المرابطين .
و كان جيش عرابي يتكون في راي المؤرخين المعاصرين للاحداث ان الجيش النظامي وحده كان يتكون من ثمان عشر الفا يضاف اليهم بضعة الاف من عربان البحيرة و الخفراء النظامييون و هذا الجيش الذي عبأه عرابي من المجاهدين عربانا وفلاحين نظاميين ومتطوعين كان له شأن كبير في صد جيش الانجليز الذي كان قوامه اكثر من ثلاثين الف بقيادة(ولزلي) حتى كتب الله النصر للمجاهدين المصريين على الانجليز في الميدان الغربي ، عند كفر الدوار .
لم يعبأ عرابي و المجاهدون المدافعون عن مصر لم يعبأوا بمنشورات الخديوي بعزل عرابي عن ديوان الجهادية و اعتباره عاصيا متمردا فقد كان الشعب المصري مع ثورة عرابي قلبا و قالبا و جاء المؤتمر الشعبي المنعقد بالقاهرة يوم 23يوليو بقراره الحاسم الذي دمغ الخديوي الخائن بالمروق من الدين و خيانة الوطن بانحيازه الى العدو المغتصب و استعدائه على المصريين و زعماء ثورتهم التحررية و قد تولى الشيخ محمد عبده ابن البحيرة عرض الموقف بحكمة علماء الاسلام مما اكسب العرابيين عواطف الشعب الغيور على حما دينه و وطنه و الذي يطمع في تحكيم العدالة و الشورى التي وردت في القران و طبقها النبي(صلى الله عليه و سلم) و الخلفاء الراشدون من بعده .
و في 26 يوليه زحف ثلاثة الاف جندي انجليزي على كفر الدوار و لكنهم انسحبوا مهزومين ، و بعد يومين عاودوا الهجوم بشكل اكبر و من ثلاث مواقع الا انهم لم يفلحوا امام عزم المجاهدين .
عاود الانجليز الهجوم على كفر الدوار في يوم 5 أغسطس 1882جاءوها من الاسكندرية في قطارات مسلحة تعززها قوات اخرى من (الرمل) و(القباري)و اشتبك الجيش الانجليزي مع المجاهدين و انهزم العدو مرة أخرى و ارتد العدو الى الاسكندرية بالرغم من ان العدو كان عدده أضعاف أضعاف المجاهدين و لكن (و الله يؤيد بنصره من يشاء ان في ذلك لعبرة لأولي الابصار ).
لم يغتر عرابي برسوخ قدمه في الميدان الغربي (البحيرة)و لم يثنه ذلك عن التفكير في الميدان الشرقي فقد أوفد اليوزباشي عبد الرحمن محمود (و هو من عائلة محمود المعروفة بالرحمانية) و معه اربعون فارسا الى معركة ( القصاصين)بالشرقية و عاد الابطال المجاهدون منصورين على عدوهم.
اما الانجليز فقد ندموا على هجومهم السابق قبل ان ياتيهم المدد من انجلترا ذلك المدد الذي دشنته ملكة انجلترا فاوفدت ابنها (دوق أوف كانوت) قائدا للحملة فاشتد ساعد(ولزلي) فضاعف من قوته الضاربة.
و انقض الانجليز على عزبة خورشيد فتصدى لهم المجاهدون المرابطون في المكان و صمدوا حتى اتاهم المدد من كفر الدوار و استمر القتال طيلة يوم كامل كبد المجاهدون فيه عدوهم خسائر فادحة بفقد سبعة عشر ما بين ضابط وجندي و استشهد من المجاهدين تسعة و عشرون جمعنا الله بهم في جنة الفردوس .
و عاد الانجليز ثلاثة ايام متوالية 24،25،26 اغسطس و ركزوا ضرباتهم على كفر الدوار و لكن المجاهدين صدقوا الله في الدفاع عن ارضهم و اشتبكوا مع العدو حتى بالسلاح الابيض حتى ردوهم على أعقابهم خاسرين، يلعقون جراحهم تحت نخيل(الرمل) و ارسلوا كتيبة اخرى في قطار اخر ، فأطلق المجاهدون عليه النار فافنوا من كان به من الجنود و الضباط ليذهبوا الى الجحيم و يكونوا وقودا لنار جهنم و ذلك ليؤكد ان المؤمنين المجاهدين في الله حق جهاده من شبه المستحيل ان يهزموا عسكريا و لكن من الممكن ان يؤتوا من جهات اخرى كما سيظهر لنا بعد قليل.
يئس الانجليز كل اليأس ان يدخلوا مصر قلعة الاسلام من الجانب الغربي (البحيرة) فولوا وجوههم شطر الميدان الشرقي (حيث العلاقات الدولية و الوعود البراقة و كلمات الشرف و مؤامنة من اوصانا الله بالحذر منهم
(لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة و يحذركم الله نفسه و الى الله المصير) .
و انتقل عرابي الى الميدان الشرقي و اعتزم عرابي أن يردم قناة السويس و لكن (ديليسبس ) خدعه باتفاقه سرا مع الانجليز على ان يقنع عرابي و من حوله من المجاهدين بعدم ردمها تحت شعار ان القناة لخدمة الامن و السلم الدوليين و انها من غير المقبول او الممكن ان تستخدم في غير ذلك و ان …….و ان …………الخ.
و استحكمت حلقات الخيانة و قدم العداء من القناة و حطموا معسكر التل الكبير دون اشتباك في معركة شريفة مثل كفر الدوار و مكنهم الخونة أتباع الخديوي من غزو القاهرة و قدموا للجنرال(ولزلي)هدية رائعة رمز الولاء للاحتلال الانجليزي .
و دخل الانجليز القاهرة و في ركانهم الخديوي و ذلك يوم 16 سبتمبر و سار الى كفر الدوار بطرس باشا غالي و محمود رءووف باشا و توجه عبد الله النديم ايضا الى كفر الدوار و لما رأى ما حل بالعرابيين اسرع بالتخفي عن الانظار حتى لا يقع في قبضة الاعداء و عزل الخديوي كل صاحب منصب كبير من العرابيين و اعاد أولياءه و خلصاءه ، و ذهب الجنرال (وود )للوقوف على اسرار المعركة التي هزموا فيها من المجاهدين المصريين و تم احصاء عددهم و ذخيرتهم و اسلحتهم و خططهم في المعارك و نقلت مدافع طابية اصلان و حصون كفر الدوار الى محطة الرمل و كان الانجليز لم يعودوا يطيقون اثار هزيمتهم ، خشية العار .
و اصدرت محكمة الاسكندرية حكمها بالنفي الى مصوع (بالصومال) خمسة عشر عاما على (عبد الرازق علوان) وكيل مديرية البحيرة بتهمة تحريض الثوار في دمنهور و افلت المجرمون الحقيقيون من القضاء و لكنهم لم يفلتوا من محكمة العزيز الجبار ، و كذلك حددت اقامة الشيخ احمد محمود من الرحمانية و غرم ثلاثة الاف جنيه و كذلك ابراهيم الوكيل ثلاثة الاف جنيه مع تحديد الاقامة اربع سنوات مع الوضع تحت مراقبة الشرطة مع تجريدهم من الرتب و علامات الشرف و الامتيازات الممنوحة لهم سابقا فيكفيهم اوسمة الجهاد و التضحية في سبيل الله و الوطن .
و لم يسلم عرابي بعد ذلك من شماتة الحاقدين عليه و هم الذين خدعوا بالانتصار المزيف الذي حققه الخديوي باستعداء الانجليز على مصر (لعن الله المضحين بالاوطان في سبيل الكراسي) و شنت على عرابي اكبر حملة دعائية من التشويه و لازال بعض المؤرخين يتهموه بانه سبب دخول الانجليز مصر و كان الانجليز لم يخططوا لدخول مصر منذ مايزيد عن الثمانين عام أي من قبل ان يولد والدا عرابي و لكننا اعتدنا دائما نذكر البقعة السوداء في الثوب الابيض و نذكر البقعة البيضاء في الثوب الاسود القذر و الله وحده يعلم كيف ان في مصر زعماء حقيقيين شوهوا و اهمل ذكرهم وآخرون وهميون صنعهم الاستعمار على عينه نحتفل بذكراهم و ليس ادل على ذلك من الذين يتهمون عرابي بطل الثورة من اجل اول مجلس نيابي منتخب في الشرق و من اول التجارب في العالم و من اجل قيام جيش قوي يحمي مصر و من اجل ان يحكم مصر كتاب الله الذي يامر بالعدل و الاحسان و مع حب الشعب الشديد له و كذلك الجيش الا انه لم يسع مطلقا للسلطة او حب الظهور و كانت ثورة حقيقية لها ادباؤها و علماؤها و ابطالها و منظروها الذين ضحوا من اجلها و نذكر منهم الشيخ محمد عبده و البطل و الشاعر صاحب السيف و القلم محمود سامي البارودي و اول كاتب ساخر و رسام كاريكاتير في مصر عبد الله النديم و كانت على منهج العالم المجدد الشيخ جمال الدين الافغاني رحمة الله عليه و مع ان الثورة رغم هزيمتها عسكريا فانها قد حققت اهم هدف من اهدافها الا وهو تفعيل دور اول مجلس نيابي في تاريخ مصر و منطقة الشرق كله و قبل بلاد كثيرة من اوربا ،كما حسنت اوضاع الجيش المصري نسبيا(من وقتها و أفراد الجيش يدفعون نصف أجرة في المواصلات العامة و هذا على سبيل المثال لا الحصر) كما اثبتت للتاريخ ان في هذا الشعب عرق ينبض بالحياة و رغم كل هذا يتهم عرابي عند بعض المؤرخين بانه خائن و بعضهم يقول ساذج (و منهم عبد العظيم رمضان)و حتى انصاره من الاجيال التالية اطلقوا على ثورته و جهاده هوجة عرابي.
في حين نجد شخص اخر قفز من ممثل ادعاء صاحب خطبة عصماء تطالب بتوقيع اقصى العقوبة على فلاحين دنشواي -و ذلك لاصابة جندي انجليزي على ارضهم بضربة شمس اثرت على جراحه الناتجة عن رد فعل الاهالي عن قتل امرأة مصرية و حرق منزل- هذا الشخص يقفز على تضحيات الشعب و يصبح ممثل الشعب و بطل ثورة 1919 و لا حول و لا قوة الا بالله . (انظر في ذلك في كتاب ايام لها تاريخ للاستاذ احمد بهاء الدين)
و لا نملك الا ان ندعوا الله ان يبصر هذه الامة و يهديها الطريق و ان يمكن للعقلاء فيها و ان يرزقنا عقولا مبصرة تستطيع حصاد ثمار جهاد هذه الامة و لا تبعثره يمنة و يسارا ،ونعوذ بك من صدورٍ قصيرة الأنفاس تقنع بأول جولة في تحقيق النصرفتنفض ايديها من الجهادفرحة مهللة قبل ان تتأكد من انتهاء المعركة. . . . . . . .اللهم آمين . . . اللهم آمين
اخي ادع معي بهذا الدعاء كي لا تتكرر مآسينا من اول انقلاب نصر الشعب بفرض محمد علي الي نكبة ثم نكبة انكسار انجازات الشعب المادية في نهايات حكم محمدعلي ثم نكبة انكسار الثورة المصرية1881،1882المسماه بالثورة العرابية ثم نكبة تحويل ثورة 1919 الى رحلة تفاوضية ثم نكبة و قوع ثورة1952 في يد الاستبداد السياسي و الاجتماعي
دمنهور و ثورة 1919 :
و في 13 نوفمبر 1918 قدم الشيخ عبد الباقي سرور الى دمنهور و معه عشرات الالوف من التوكيلات المطبوعة لتوقيع ابناء البحيرة عليها لتأييد الوفد المصري برياسة سعد زغلول في طلب استقلال مصر ليتقدم بها الى مؤتمر الصلح بلوزان .
و أخذ الشيخ عبد الباقي يدرب شباب دمنهور على المظاهرات عدة ايام ، و في 17 مارس 1919 قامت مظاهرة كبرى تطوف بانحاء المدينة فأمر مدير البحيرة ابراهيم حليم باشا بتسليط خراطيم المياه الضخمة على المتظاهرين
فكانت تجرفهم بقسوة كما أمر بالقبض على الشيخ عبد الباقي و ايدعه السجن فاشتدت ثائرة الجماهير في 12مارس 1919 و توجهوا الى السجن فحطموه و اخرجوا الشيخ عبدالباقي، و اندمج المدير في المتظاهرين فاعتدوا عليه ضربا بالنعال و كادوا يقتلونه لولا تدخل رجال الشرطة ،و كان المتظاهرون يرددون الاناشيد العذبة في قوة وحماس مثل
حب الاوطان من الايمان و روح الله تنادينا
ان لم يجمعنا الاستقلال ففي الفردوس تلاقينا
و سرعان ما اعلنت الاحكام العرفية و تشكلت محكمة يرأسها ايرلندي و حكم على الشيخ لفصاحته و جرأته بينما صدرت احكام متفاوتة على ابناء دمنهور الاحرار و منهم الشيخ أحمد عبد الكريم و كان من كبار تجار دمنهور بستة أشهر سجن و غرامة 200جنيه، كما حكم بجلد عدد كبير من الشباب الابرياء و نصبت آلة الجلد بميدان المحطة

مواضيع مشابهة: